ناحيته كما تقدّم. وفي حديث : «فاستعرضهم الخوارج» (١) أي قتلوهم من أيّ وجه أمكنوهم.
ع ر ف :
قوله تعالى : (الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ)(٢) أي طيّبها ، من العرف وهو الطيب. وتقول العرب : طيّب الله عرفك ، أي رائحتك. وقيل عرّفها لهم في الدنيا بوصف وصفها لهم ، فإذا دخلوها عرفوها بتلك الأوصاف الحسنة بمعنى : ألهم كلّ أحد أن يعرف منزله في الجنة كما يعرف منزله في الدنيا مع اتساع تلك المنازل وكثرتها. وإذا ألهم الطيور أن تهتدي لأوكارها في الدنيا مع كثرة أوكارها وأشباهها وتقاصر فهمها ، فهذا أولى. فقيل : إنه يبعث مع كلّ رجل ملك يعرّفه منزله. وقيل : عرّفها : زيّنها. وقيل : شوّقهم إليها بوصفه لها وتعريفه إياها. قوله تعالى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)(٣) أي ليظهرنّ لك المنافق من غيره من فحوى خطابه. والمعرفة والعرفان : إدراك الشيء بتفكّر وتدبّر لأثره ، فهو أخصّ من العلم ويضادّه الإنكار. ويقال : فلان يعرف الله ، ولا يقال : يعلم الله ، متعديا إلى واحد (٤) ، لمّا كان معرفة البشر لله هي تدبّر آثاره دون إدراك ذاته. ويقال : الله يعلم كذا ولا يقال : يعرف ، لمّا كانت المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصّل إليه بتفكّر ؛ قاله الراغب.
قلت : وقد فرّق قوم بين العلم والعرفان بغير ذلك ؛ فقال بعضهم : المعرفة : إدراك الشيء دون ما هو عليه. ومن ثم تعدّت لواحد. والعلم معرفته وما هو عليه. ومن ثمّ تعدّى لاثنين ، فمن ثمّ يقال : علم الله ، دون عرف. وقال آخرون : المعرفة تستدعي جهلا بالشيء المعروف بخلاف العلم فإنه لا يستدعي ذلك ، ولذلك علم الله دون عرف الله. وقد وقع في عبارة بعض العلماء عرف الله ، منهم الزمخشريّ في كشّافه. ثم إنهم يقولون : علم يتعدّى لمفعول واحد إذا كانت بمعنى عرف ، ويجعلون من ذلك (لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ
__________________
(١) النهاية : ٣ / ٢١٥.
(٢) ٦ / محمد : ٤٧.
(٣) ٣٠ / محمد : ٤٧.
(٤) يعني : إلى مفعول واحد.