(وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ (٣١) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ) (٣٢)
وقال ينصرنا وجاءنا لأنه منهم في القرابة ، وليعلمهم بأنّ الذي ينصحهم به هو مساهم لهم فيه (قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى) أي ما أشير عليكم برأي إلا بما أرى من قتله يعني لا أستصوب إلا قتله ، وهذا الذي تقولونه غير صواب (وَما أَهْدِيكُمْ) بهذا الرأي (إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) طريق الصواب والصلاح ، أو ما أعلمكم إلا ما أعلم من الصواب ولا أدّخر منه شيئا ولا أسرّ عنكم خلاف ما أظهر. يعني أنّ لسانه وقلبه متواطئان على ما يقول ، وقد كذب فقد كان مستشعرا للخوف الشديد من جهة موسى عليهالسلام ، ولكنه كان يتجلّد ، ولو لا استشعاره لم يستشر أحدا ولم يقف الأمر على الإشارة.
٣٠ ـ (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) أي مثل أيامهم ؛ لأنه لما أضافه إلى الأحزاب وفسّرهم بقوله :
٣١ ـ (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) ولم يلبس (١) أنّ كلّ حزب منهم كان له يوم دمار اقتصر على الواحد من الجمع ، ودأب هؤلاء دؤبهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصي وكون ذلك دائبا دائما منهم لا يفترون عنه ، ولا بدّ من حذف مضاف ، أي مثل جزاء دأبهم ، وانتصاب مثل الثاني بأنه عطف بيان لمثل الأول (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) أي وما يريد الله أن يظلم عباده فيعذبهم بغير ذنب أو يزيد على قدر ما يستحقّون من العذاب ، يعني أنّ تدميرهم كان عدلا لأنهم استحقوه بأعمالهم ، وهو أبلغ من قوله : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٢) حيث جعل المنفيّ إرادة ظلم منكّر ومن بعد عن إرادة ظلم مّا لعباده كان عن الظلم أبعد وأبعد ، وتفسير المعتزلة بأنه لا يريد لهم أن يظلموا بعيد ، لأنّ أهل اللغة قالوا : إذا قال الرجل لآخر لا أريد ظلما لك معناه لا أريد أن أظلمك ، وهذا تخويف بعذاب الدنيا ، ثم خوّفهم من عذاب الآخرة بقوله :
٣٢ ـ (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) أي يوم القيامة. التنادي مكي ويعقوب في الحالين وإثبات الياء هو الأصل وحذفها حسن لأنّ الكسرة تدلّ على
__________________
(١) في (ز) يلتبس.
(٢) فصلت ، ٤١ / ٤٦.