جمع كتاب في التفسير على طراز معين وصفه ، وجعله هدفه ، حتى هيّأ الله له ذلك ، وأعانه عليه ، وقد ذرف على الستين ، واشتعل الرأس منه شيبا ، وناهيك برغبة تصاحب العمر ، فلا تستطيع نوازع الشباب أن تنزعها ، ولا مثبّطات الكهولة والشيب أن تصرف عنها ، ثم ناهيك بمثل هذه الرغبة المتمكنة في نفس رجل علّامة كهذا يتدبر وسائل تحقيقها عمرا طويلا ، ويتأتى لها ، ويتمرس بالتجارب العقليّة ، والوسائل العلميّة ، حتى ينفذها في عنفوان فتوّته العلميّة ، وقد استحصف عقله ، واكتمل وعيه ، وغزر محصوله ، ووقف على الذروة من صرح العلم والفهم والبيان.
ولقد ذكر المؤرخون لسيرته أمرا عجبا ، ذلك أنه ألّف كتابه هذا المسمّى «مجمع البيان» ، جامعا فيه فرائد كتاب من قبله اسمه «التبيان» للشيخ محمد بن الحسن بن علي الطبرسي ، ولم يكن قد اطّلع على تفسير الكشاف للزمخشري ، فلما اطلع عليه صنّف كتابا آخر في التفسير سماه «الكافي الشاف من كتاب الكشاف» ويظهر من اسمه أنه أتى فيه بما أطّلع عليه من تفسير الزمخشري ، ولم يكن قد عرفه حتى يودعه كتابه الأول ، ويذكرون اسما آخر لكتاب ألّفه بعد ذلك أيضا وأسماه «الوسيط» في أربع مجلدات ، وكتابا ثالثا اسمه «الوجيز» في مجلّد أو مجلّدين ، كلّ ذلك في تفسير القرآن الكريم ، ألّفه بعد تفسيره الأكبر : «مجمع البيان» ، وبعض هذه الكتب يعرف باسم «جامع الجوامع» لجمعه فيه بين فرائد التبيان وزوائد الكشاف.
وقد أردت ـ قبل الكلام إلى القراء عن المعنى الّذي يدّل عليه هذا الصّنيع من الإمام الطبرسي رحمهالله تعالى ـ أن أختبر هذا الخبر لأعلم هل هو صحيح؟ وذلك عن طريق الرجوع إلى بعض المواضع المشتركة في «الكشاف» و «مجمع البيان» كي يتبيّن الأمر في ضوء الواقع ،