وجاء عنه أنّه كان يقول :
إن لم أجد في كتاب الله ، ولا في سنّة رسوله ، أخذت بقول أصحابه ، فإن اختلفت آراؤهم في حكم الواقعة آخذ بقول من شئت ، وأدع من شئت ، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم من التابعين (١).
وجاء في (أعلام الموقعين) لابن القيم :
إنّ أصول الأحكام عند الإمام أحمد خمسة : الأول : النص ، الثاني : فتوى الصحابة وإنّ الأحناف والحنابلة قد ذهبوا إلى تخصيص الكتاب بعمل الصحابي ، لأن الصحابي العالم لا يترك العمل بعموم الكتاب إلّا لدليل ، فيكون عمله على خلاف عموم الكتاب ، دليلا على التخصيص ، وقوله بمنزلة عمله (٢).
وما أبعد ما بين هؤلاء ، وبين القائلين بعدم جواز الاعتماد على السنة في مقام التشريع إلّا إذا تأيّدت بآية من القرآن لأن فيه تبيان كل شيء ، وقد نزل بلغة العرب ، وبأسلوب يفهمه كل عربي ، وذلك لأنّ السنة رواها عن الرسول جماعة يجوز عليهم الخطأ ، والكذب ، وكانوا لا يقبلون مرويات بعضهم أحيانا ، ويعمل كلّ منهم بما يوحيه إليه اجتهاده ، وقد تراشقوا بأسوأ التّهم ، واستحلّ بعضهم دماء البعض الآخر (٣).
ومهما كان الحال فأقوال الصحابة ، وآراؤهم ، واجتهاداتهم كانت من أبرز أصول التشريع عند الجمهور بعد كتاب الله. وفي الوقت ذاته يخصّصون بها عموماته ويقيدون بها مطلقاته ، وكأنّها من وحي السماء
__________________
(١) أنظر أبا حنيفة لأبي زهرة ص ٣٠٤. والإمام زيد له أيضا ص ٤١٨.
(٢) المدخل إلى علم أصول الفقه لمعروف الدواليبي ص ٢١٧.
(٣) أنظر : تاريخ الفقه الإسلامي للدكتور محمد يوسف موسى عن كتاب الأم للشافعي ص ٢٢٨.