.................................................................................................
______________________________________________________
الإتيان بجميع أطراف الشبهة إنّما هو لخوف ترك الواقع عند الاقتصار ببعض أطرافها في مقام الامتثال. فحكم العقل بوجوب الاحتياط إنّما هو لأجل دفع الضرر المحتمل ، أعني : العقاب الاخروي ، ولا ريب أنّ حكم العقل بذلك ليس إلزاميّا حتّى يقال : إنّه حكم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعيّ ، بل هو إرشادي من باب إراءة مصلحة المكلّف ، فهو نظير أوامر الأطبّاء لا يترتّب على موافقته ثواب ولا على مخالفته عقاب. بل جميع الأحكام العقليّة حتّى ما استقلّ به العقل ـ مثل قبح الظلم وحسن الإحسان ـ من قبيل ذلك ، لعدم إلزامه المكلّف بأمر مولوي بترك الظلم لأجل قبحه ، لأنّ غايته الإرشاد ولو إلزاما إلى أنّ في فعله ارتكابا للقبيح ، لا إلزامه بأمر مولويّ بتركه.
وحينئذ إن كان ما حكم به العقل ممّا يصحّ تعلّق خطاب شرعيّ به فهو ، وإلّا كان هذا الحكم إرشاديّا محضا. ووجوب الاحتياط من قبيل ذلك ، لكونه طريق امتثال إجمالي للواقع المعلوم إجمالا ، وما هو من قبيل كيفيّة امتثال أوامر الشرع لا يصلح تعلّق خطاب به ، لا بمعنى عدم إمكان تعلّق خطاب شرعيّ به ، بل بمعنى أنّه لو فرض ورود خطاب شرعيّ عليه كان من قبيل تقرير حكم العقل لا من باب إنشاء حكم شرعيّ ، إذ لو كان طريق امتثال الواقع محتاجا إلى بيان الشارع لاحتاج امتثال هذا الخطاب أيضا إلى بيان آخر حتّى يتسلسل أو يدور. وما كان قابلا لتعلّق خطاب كلّ من العقل والشرع به كان متّصفا بكلّ من حكمهما ، مثل الظلم والإحسان. وهذا أيضا هو المقصود من قولهم : كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع.
وممّا ذكرناه يندفع ما يمكن أن يورد علي ما ذكرناه من النقض بالضرر الدنيوي ، لأنّ المشهور حرمة السفر مع خوف الضرر فيه ، فإذا سافر يعاقب عليه في الآخرة وإن لم يصبه الضرر المتوهّم أو المظنون. ووجه الاندفاع : كون ذلك قليلا ، لورود حكم كلّ من العقل والشرع عليه. وتظهر الثمرة بينه وبين ما نحن