شرب التتن منها. ومنشأ التوهّم المذكور ملاحظة تعلّق الحكم بكلّي مردّد بين مقدار معلوم وبين أكثر منه ، فيتخيّل أنّ الترديد في المكلّف به مع العلم بالتكليف ، فيجب الاحتياط. ونظير هذا التوهّم قد وقع في الشبهة الوجوبيّة ، حيث تخيّل بعض أنّ دوران ما فات من الصلوات (*) بين الأقلّ والأكثر موجب للاحتياط من باب وجوب المقدّمة العلميّة. وقد عرفت وسيأتي اندفاعه.
فإن قلت : إنّ الضرر محتمل في هذا الفرد المشتبه لاحتمال كونه محرّما ، فيجب دفعه. قلنا : إن اريد بالضرر العقاب وما يجري مجراه من الامور الاخرويّة ، فهو مأمون بحكم العقل بقبح العقاب من غير بيان.
وإن اريد ما لا يدفع العقل ترتّبه من غير بيان ـ كما في المضارّ الدنيويّة ـ فوجوب دفعه عقلا لو سلّم كما تقدّم من الشيخ وجماعة ، لم يسلّم وجوبه شرعا (١٢٨٣) ؛ لأنّ الشارع صرّح بحلّية ما لم يعلم حرمته ، فلا عقاب عليه ؛ كيف وقد يحكم الشرع بجواز ارتكاب الضرر القطعي الغير المتعلّق بأمر المعاد ، كما هو المفروض في الضرر المحتمل في المقام!
______________________________________________________
بيان أنّ الحكم الظاهري في الموضوع المشتبه هو البراءة أو الاحتياط من وظيفته لا محالة ، ولا بدّ أن يتلقّى ذلك منه. ومع عدم البيان فالعقل يحكم بالبراءة ، لقبح التكليف بلا بيان لو كان المكلّف به في الظاهر هو الاحتياط عند الشارع. فما يظهر من المصنّف رحمهالله من عدم كون المقام من موارد هذه القاعدة ، إنّما هو لأجل المماشاة مع الخصم وإرخاء عنان المجادلة معه ، وإلّا فقد عرفت أنّ التحقيق كون ما نحن فيه أيضا من جملة مواردها.
١٢٨٣. ليس المقصود منه بيان معارضة حكم العقل والشرع وتقديمه على الأوّل ، لوضوح فساده ، إذ لا ريب في تطابقهما بحكم الملازمة ، بل المقصود أنّه مع فرض حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، فلا ريب أنّ ترخيص الشارع في
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «الصلوات» ، الصلاة.