فإن قيل : نختار أوّلا احتمال الضرر المتعلّق بامور الآخرة ، والعقل لا يدفع ترتّبه من دون بيان ؛ لاحتمال المصلحة في عدم البيان ووكول الأمر إلى ما يقتضيه العقل ، كما صرّح في العدّة في جواب ما ذكره القائلون بأصالة الإباحة من أنّه لو كان هناك في الفعل مضرّة آجلة لبيّنها. وثانيا : نختار المضرّة الدنيويّة ، وتحريمه ثابت شرعا لقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (٤) ، كما استدلّ به الشيخ أيضا في العدّة على دفع أصالة الإباحة ، وهذا الدليل ومثله رافع للحلّية (١٢٨٤) الثابتة بقولهم عليهمالسلام : «كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام».
قلت : لو سلّمنا (١٢٨٥) احتمال المصلحة في عدم بيان الضرر الاخروي ، إلّا أنّ قولهم عليهمالسلام : «كلّ شىء لك حلال» بيان لعدم الضرر الاخروي. وأمّا الضرر الغير الاخروي ، فوجوب دفع المشكوك منه ممنوع ، وآية «التهلكة» مختصّة بمظنّة
______________________________________________________
الارتكاب يكشف عن وجود مصلحة فيه متداركة للمفسدة المحتملة ، والعقل لا يحكم بوجوب دفع مثل هذا الضرر ، لأنّ حكمه بوجوب الدفع إنّما هو مع عدم التدارك لا معه.
١٢٨٤. يعني : بحسب الشرع ، فتكون الآية حاكمة على الرواية ، لا بحسب الواقع حتّى تكون واردة عليها.
١٢٨٥. فيه إشارة إلى إمكان دعوى القطع بعدم المصلحة في عدم البيان. ولعلّ الوجه فيه عدم صلوح سائر المصالح لجبر الضرر الاخروي ـ أعني : العقاب ـ لو صادفه المكلّف بجهالة.
ويمكن أن يقال : إنّه مع تسليم حكم العقل بوجوب بيان الضرر الاخروي من حيث هو ، فلا وجه لمنع ذلك بمجرّد احتمال المصلحة في عدم البيان ، لعدم اقتناع العقل في ذلك بمجرّد احتمال المانع ، لعدم اعتناء العقلاء بمجرّد احتماله مع فرض وجود المقتضي كما صرّح به المصنّف رحمهالله عند الاستدلال على حجيّة مطلق الظنّ بوجوب دفع الضرر المظنون.