وأمّا إباحة التصرّفات الغير المترتّبة في الأدلّة على ماله وملكه ، فيمكن القول بها للأصل. ويمكن عدمه ؛ لأنّ الحلّية في الأملاك لا بدّ لها من سبب محلّل بالاستقراء ولقوله عليهالسلام : «لا يحلّ مال إلّا من حيث أحلّه الله».
ومبنى الوجهين أنّ إباحة التصرّف هي المحتاجة إلى السبب ، فيحرم مع عدمه ولو بالأصل ، وأنّ حرمة التصرّف محمولة في الأدلّة على ملك الغير ، فمع عدم تملّك
______________________________________________________
هنا ، لحصول الماليّة للمتصرّف بالتصرّف ، بضميمة أصالة عدم تملّك مسلم آخر له.
وإذا عرفت هذا فاعلم : أنّ قوله : «ونحوه المال المردّد ...» ظاهر الانطباق على الوجه الأوّل ، وهو واضح. وأمّا قوله : «وأمّا مع عدم سبق ملك أحد عليه» يعني : مع عدم العلم بسبقه ، فلا ريب في عدم انطباقه على الوجهين الأوّلين ، لعدم تأتّي الوجهين اللذين ذكرهما فيه فيهما كما عرفت. وكذلك على الثالث ، لأنّ المفروض فيه سبق ملك في الجملة. نعم ، يمكن أن يريد به عدم العلم تفصيلا بسبق ملك أحد عليه ، وإن علم إجمالا بكونه له أو غيره.
وأمّا ما يظهر من بعض مشايخنا من حمله على الوجه الرابع ، نظرا إلى تأتّي الوجهين اللذين ذكرهما فيه ، لأنّه بناء على كون جواز التصرّف مرتّبا في الأدلّة على وجود سبب محلّل لا يجوز التصرّف حينئذ ، وبناء على كونه مرتّبا على عدم كونه ملكا للغير ـ يعني : لغيره من المسلمين ومن بحكمه من أهل الذمّة ـ يثبت الجواز بأصالة البراءة بضميمة أصالة عدم كونه ملكا لمسلم آخر ، فبعيد جدّا.
لا يقال : إنّ ظاهر كلام المصنّف رحمهالله عدم ثبوت الملكيّة له ولا لغيره من المسلمين والكفّار ، فلا مقتضى للحمل على الوجه الثالث ولا على الرابع.
لأنّا نقول : نعم ، لكن إن فرض ذلك على وجه يحتمل كونه من المباحات أيضا ، فيدخل في الوجه الثاني الذي عرفت عدم تأتّي الوجهين فيه. وإن فرض على وجه لا يسري فيه هذا الاحتمال ، فيدخل في الوجه الثالث ، وليس هنا شقّ آخر يمكن حمله عليه ، فتدبّر.