وقد تعارض هذه بما دلّ على عدم وجوب السؤال والتوبيخ عليه وعدم قبول قول من يدّعي حرمة المعقودة مطلقا أو بشرط عدم كونه ثقة ، وغير ذلك. وفيه : أنّ مساقها التسهيل وعدم وجوب الاحتياط ، فلا ينافي الاستحباب.
ويحتمل التبعيض بين موارد الأمارة على الإباحة وموارد لا يوجد فيها إلّا أصالة الإباحة ، فيحمل ما ورد من الاجتناب عن الشبهات والوقوف عند الشبهات على الثاني دون الأوّل ؛ لعدم صدق الشبهة بعد الأمارة الشرعيّة على الإباحة ؛ فإنّ الأمارات في الموضوعات بمنزلة الأدلّة في الأحكام مزيلة للشبهة ، خصوصا إذا كان المراد من الشبهة ما يتحيّر في حكمه ولا بيان من الشارع لا عموما ولا خصوصا بالنسبة إليه ، دون مطلق ما فيه الاحتمال ، وهذا بخلاف أصالة الإباحة ؛ فإنّها حكم في مورد الشبهة لا مزيلة لها. هذا ، ولكن أدلّة الاحتياط لا تنحصر فيما ذكر فيه لفظ «الشبهة» ، بل العقل مستقلّ بحسن الاحتياط مطلقا. فالأولى الحكم برجحان (١٣١٨) الاحتياط في كلّ موضع لا يلزم منه الحرام (*). وما ذكر من أنّ تحديد
______________________________________________________
١٣١٨. حاصله : رجحان الاحتياط بحسب الإمكان ، وإن كان فيه حرج ومشقّة ، ما لم يلزم منه الحرام من تفويت حقّ واجب ونحوه.
ولكنّك خبير بأنّه لا بدّ أن يستثنى من ذلك الأشياء التي يعمّ بها البلوى ويكثر دورانها بين العباد ، كالأدهان والأنعام والغلّات ونحوها ، كما حكى التصريح به عن كاشف الغطاء ، لاستمرار السيرة عليه حتّى من النبيّ صلىاللهعليهوآله ووصيّه وأوصيائه عليهمالسلام ، إذ لم يحك من أحد من الزهّاد والعبّاد والمتورّعين من العلماء الاجتناب عن ذلك ولو استحبابا ، بل المتتبّع في أحوال السلف يقطع بجريان عادتهم بارتكابها. وقد ثبت استعمال النبيّ صلىاللهعليهوآله وأوصيائه عليهمالسلام للسكّر والمعطّرات ، مع كونهما معمولين في بلاد الكفر. وكانوا أيضا يستعملون أدهان الأسواق ، ويلبسون الأقمشة المشتراة من الأسواق ، المتطرّق عليها الشبهة من وجوه شتّى ، و
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «الحرام» ، الحرج.