والحاصل أنّ النواهي المطلوب فيها حمل المكلّف على الترك مختصّة بحكم العقل والعرف بمن يعدّ مبتلى بالواقعة المنهيّ عنها ، ولذا يعدّ خطاب غيره بالترك مستهجنا إلّا على وجه التقييد بصورة الابتلاء. ولعلّ السرّ في ذلك : أنّ غير المبتلي تارك للمنهيّ عنه بنفس عدم ابتلائه ، فلا حاجة إلى نهيه ، فعند الاشتباه لا يعلم المكلّف بتنجّز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي.
وهذا باب واسع ينحلّ به الإشكال عمّا علم من عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة في مواقع ، مثل ما إذا علم إجمالا بوقوع النجاسة في إنائه أو في موضع من الأرض لا يبتلي به المكلّف عادة أو بوقوع النجاسة في ثوبه أو ثوب الغير ، فإنّ الثوبين لكلّ منهما من باب الشبهة المحصورة مع عدم وجوب اجتنابهما ، فإذا أجرى أحدهما في ثوبه أصالة الحلّ والطهارة لم يعارض بجريانهما في ثوب غيره ؛ إذ لا يترتّب على هذا المعارض ثمرة عمليّة للمكلّف يلزم من ترتّبها مع العمل بذلك الأصل طرح تكليف متنجّز بالأمر المعلوم إجمالا.
ألا ترى أنّ زوجة شخص لو شكّت في أنّها هي المطلّقة أو غيرها من ضرّاتها جاز لها ترتيب أحكام الزوجيّة على نفسها ، ولو شكّ الزوج هذا الشكّ لم يجز له النظر إلى إحداهما ؛ وليس ذلك إلّا لأنّ أصالة عدم تطليقة كلّا منهما متعارضان في حقّ الزوج بخلاف الزوجة ؛ فإنّ أصالة عدم تطلّق ضرّتها لا تثمر لها ثمرة عمليّة. نعم ، لو اتّفق ترتّب تكليف على زوجيّة (١٥١٩) ضرّتها دخلت في الشبهة المحصورة ، ومثل ذلك كثير في الغاية (١٥٢٠).
وممّا ذكرنا يندفع ما تقدّم من صاحب المدارك رحمهالله من الاستنهاض على ما اختاره من عدم وجوب الاجتناب (*) في الشبهة المحصورة بما يستفاد من الأصحاب
______________________________________________________
١٥١٩. كما إذا اشترت من النفقة التي أخذت ضرّتها من زوجها.
١٥٢٠. منها مسألة واجدي المني في الثوب المشترك ، إذ يجوز لكلّ منهما الصلاة ودخول المساجد ومسّ كتابة القرآن بعد الوضوء ، وغير ذلك ممّا لا يجوز
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «الاجتناب» ، الاحتياط.