وليس هنا مورد التمسّك بعموم صحّة العقود (*) ؛ للعلم بخروج بعض المشتبهات التدريجيّة عن العموم ؛ لفرض العلم بفساد بعضها ، فيسقط العامّ عن الظهور بالنسبة إليها ، ويجب الرجوع إلى أصالة الفساد ، اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ العلم الإجمالي بين المشتبهات التدريجيّة كما لا يقدح في إجراء الاصول العمليّة فيها ، كذلك لا يقدح في إجراء الاصول اللفظيّة ، فيمكن التمسّك فيما نحن فيه لصحّة كلّ واحد من المشتبهات بأصالة العموم ، لكنّ الظاهر الفرق (١٥٤٧) بين الاصول اللفظيّة والعمليّة ، فتأمّل.
______________________________________________________
١٥٤٧. بالقول باعتبار الاصول العمليّة مع العلم الإجمالي بخلافها ، وبعدم اعتبار الاصول اللفظيّة معه. ووجه الفرق : أنّ اعتبار الاولى إنّما هو من باب التعبّد الشرعيّ ، والفرض أنّ العلم الإجمالي بخلافها إنّما يؤثّر في سقوطها مع تنجّز التكليف بالواقع ، لسلامة الأصل في كلّ من المشتبهين عن المعارض بدونه ، بخلاف الثانية ، لأنّ اعتبارها من باب الظهور النوعي المرتفع مع العلم ـ ولو إجمالا ـ بخلافها ، بل وكذلك لو قلنا باعتبارها من باب التعبّد العقلائي ، لظهور عدم تعبّدهم بالظواهر مع العلم الإجمالي بخلافها.
وأنت خبير بأنّه يمكن منع تأثير العلم الإجمالي في العمل بالظواهر أيضا فيما احتمل كون الفرد الخارج من الأفراد التي لا يبتلي بها المكلّف ، كما إذا أمر المولى بإكرام العلماء ، وثبتت حرمة إكرام عالم مردّد بين أحد علماء البلد إجمالا وبين عالم في بلد ناء لا يبتلي به المكلّف عادة ، إذ لا ريب أنّ العقلاء لا يعذّرون العبد حينئذ في ترك إكرام علماء البلد لأجل كون العامّ عنده مخصّصا بمجمل. والسرّ فيه عدم ظهور العامّ في الشمول للأفراد التي لا يبتلي بها المكلّف عادة إلّا على وجه التعليق بالابتلاء ، وإذا تردّد الخارج بين الأفراد التي يبتلي بها المكلّف فعلا وبين غيرها ، رجع الشكّ في تخصيصه بالنسبة إلى الأفراد التي له ظهور في الشمول لها فعلا إلى الشكّ البدوي الذي يدفع بعموم العامّ.
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : وإن قلنا بالرجوع إلى العامّ عند الشكّ فى مصداق ما خرج عنه.