ولا بدّ من تقديم ما فيه إشارة إلى هذه القاعدة في الجملة من الكتاب والسنّة.
أمّا الكتاب ، فمنه آيات : منها : قوله تعالى : (قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (١) ، بناء على تفسيره بما في الكافي من قوله عليهالسلام : " لا تقولوا إلّا خيرا حتّى تعلموا ما هو" (٢) ، ولعلّ
______________________________________________________
بالأحكام. فيقال في المقام أيضا : إنّه قد علم اعتبار القاعدة في الجملة بالإجماع ، والعلم التفصيلي بمواردها منسدّ ، والعمل بالاصول فيها مخالف للعلم الإجمالي ، فيجب العمل بالظنّ في مواردها.
وثانيهما : استقراء الموارد الجزئيّة التي ثبت اعتبار القاعدة فيها بالإجماع أو الأخبار. منها : قبول قول ذي اليد فيما في يده في الملكيّة والطهارة والنجاسة والتذكية. ومنها : قاعدة كلّ ذي عمل مؤتمن في عمله من الوكلاء والنواب ، فإنّ قولهم وفعلهم ـ من العقود والإيقاعات والأعمال التي ائتمن بهم فيها ـ مسموعة شرعا بالإجماع. ومنها : قبول رواية الثقة في الأحكام عند عدم المعارض. ومنها : قبول شهادة الشاهد في مواردها. ومنها : قبول إقرار العقلاء على أنفسهم. ومنها : تصديق النساء فيما في أرحامهنّ. ومنها : الحكم بطهارة ما وجد في أسواق المسلمين من اللحوم والجلود ، وكونها مذكّاة. وغير ذلك من الموارد التي قام الدليل فيها بالخصوص على اعتبار القاعدة ، لأنّ استقراء هذه الموارد يعطي اعتبار القاعدة على وجه الكلّية ، إلّا فيما قام الدليل على عدم اعتبارها فيه.
فإن قلت : إنّ التمسّك بالاستقراء إنّما يتمّ على القول بالظنون المطلقة دون الخاصّة.
قلت : إنّ هذا استقراء في الأدلّة الشرعيّة من الأخبار والإجماعات ، والظنّ الحاصل منها كالحاصل من رواية معتبرة ، لوضوح عدم الفرق بين الظنّ الحاصل من مجموع عدّة روايات والحاصل من رواية خاصّة من حيث الاعتبار وعدمه ، والاستقراء إنّما لا يعتبر إذا كان الظنّ حاصلا من تتّبع موارد الحكم دون الأدلّة ، وهو واضح.