فإنّ الجمع بينها وبين الأخبار المتقدّمة يحصل بأن يراد من الأخبار : ترك ترتيب آثار التهمة ، والحمل على الوجه الحسن من حيث مجرّد الحسن ، والتوقّف فيه من حيث ترتيب سائر الآثار. ويشهد له ما ورد من : " أنّ المؤمن لا يخلو عن ثلاثة : الظنّ والحسد والطيرة ، فإذا حسدت فلا تبغ (٢٦٧١) ، وإذا ظننت فلا تحقّق (٢٦٧٢) ، وإذا تطيّرت فامض (٢٦٧٣) ". (١١)
الثالث : الإجماع القوليّ والعمليّ. أمّا القوليّ ، فهو مستفاد (٢٦٧٤) من تتّبع فتاوى الفقهاء في موارد كثيرة ، فإنّهم لا يختلفون في أنّ قول مدّعي الصحّة في الجملة مطابق للأصل وإن اختلفوا في ترجيحه على سائر الاصول ، كما ستعرف. وأمّا العمليّ ، فلا يخفى على أحد أنّ سيرة المسلمين في جميع الأعصار على حمل الأعمال على الصحيح ، وترتيب آثار الصحّة في عباداتهم ومعاملاتهم ، ولا أظنّ أحدا ينكر ذلك إلّا مكابرة.
الرابع : العقل المستقلّ الحاكم بأنّه لو لم يبن على هذا الأصل لزم اختلال نظام المعاد (٢٦٧٥) والمعاش ، بل الاختلال الحاصل من ترك العمل بهذا الأصل أزيد من الاختلال الحاصل من ترك العمل بيد المسلمين ، مع أنّ الإمام عليهالسلام قال لحفص بن
______________________________________________________
٢٦٧١. أي : تطلبه باستعمال الحسد.
٢٦٧٢. بالتجسّس والفحص عن وقوع المظنون ، أو بترتيب آثار الواقع عليه.
٢٦٧٣. أي : في عملك ، فإنّ الطيرة يذهبها التوكّل كما ورد في الخبر.
٢٦٧٤. قد حكي الإجماع على اعتبار القاعدة عموما عن جماعة فوق حدّ الاستفاضة ، كالبهبهاني والسبزواري وصاحب الرياض والقوانين. ولا إشكال في المحصّل منه أيضا في الجملة. وسيجيء خلاف المحقّق الكركي وغيره في عموم القاعدة في التنبيه الثاني وغيره ، فلا بدّ من الأخذ بالمتيقّن منه. اللهمّ إلّا أن يستند إلى عموم الإجماعات المحكيّة في موارد الشكّ.
٢٦٧٥. لأنّ اعتبار السوق واليد والائتمان بالنوّاب والوكلاء وصحّة الاقتداء وغير ذلك من جزئيّات هذه القاعدة.