بذلك حتى يرى في نومه يصيح ويعرق جبينه ، وقد ينزعج من مكانه ، كل ذلك يدرك من نفسه ويتأذى به كما يتأذى اليقظان ، وأنت ترى ظاهره ساكنا ولا ترى في حواليه حية ، والحية موجودة في حقه ، والعذاب حاصل ، ولكنه في حقك غير مشاهد ، و إن كان العذاب ألم اللدغ فلا فرق بين حية تتخيل أو تشاهد.
المقام الثالث أن الحية بنفسها لا تؤلم بل الذي يلقاك منها هو السم ثم السم ليس هو الالم ، بل عذابك في الاثر الذي يحصل فيك من السم ، فلو حصل مثل ذلك من غير سم فكان ذلك العذاب قد توفر ، وقد لا يمكن تعريف ذلك النوع من العذاب إلا بأن يضاف إلى السبب الذي يفضي إليه في العادة ، والصفات المهلكات تنقلب موذيات ومولمات في النفس عند الموت فتكون آلامها كآلام لدغ الحيات من غير وجود الحيات.
فإن قلت : ما الصحيح من هذه المقامات الثلاثة؟ فاعلم أن من الناس من لم يثبت إلا الثالث ، وإنما الحق الذي انكشف لنا من طريق الاستبصار أن كل ذلك في حيز الامكان ، وأن من ينكر بعض ذلك فهو لضيق حوصلته وجهله باتساع قدرة الله وعجائب تدبيره منكر من أفعال الله تعالى ما لم يأنس به ولم يألفه ، وذلك جهل وقصور ، بل هذه الطرق الثلاثة في التعذيب ممكن ، والتصديق بها واجب ، ورب عبد يعاقب بنوع واحد من هذه الانواع الثلاثة ، هذا هو الحق فصدق به.
ثم قال : وسؤال منكر ونكير حق لقوله صلىاللهعليهوآله : إذا اقبر الميت أتاه ملكان
أسودان أزرقان يقال لاحدهما : منكر ، وللآخر : نكير ، يقولان : ما كنت تقول في
هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنا فيقول : هو عبدالله ورسوله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، و
أشهد أن محمدا رسول الله ، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا ، ثم يفسح في قبره
سبعين ذراعا في سبعين ذراعا ، ثم ينور له فيه ، ثم يقال له : نم ، فيقول : أرجع
إلى
أهلي فأخبرهم؟ فيقولان : نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله ، حتى يبعثه
الله من مضجعة ذلك ، وإن كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون فقلت مثله ، لا أدري!
فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ذلك ، فيقال للارض : التئمي عليه ، فتلتئم عليه
فتختلف
أضلاعه ، فلا يزال فيه معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وأنكر الجبائي وابنه و