تدبرت ما يذكره الله تعالى في حقهم في سور البقرة والتوبة والأحزاب والمنافقين وغيرها لرأيت عجباً ، وكان هذا حالهم في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولما ينقطع الوحي ثم لما توفاه الله غاب ذكرهم وسكنت أجراسهم دفعة .
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا |
|
أنيس ولم يسمر بمكة سامر . |
ولم يلبث الناس دؤن أن وجدوا أنفسهم وقد تفرقوا أيادي سبا ، وباعدت بينهم شتى المذاهب ، واستعبدتهم حكومات التحكم والاستبداد ، وأبدلوا سعادة الحيوة بشقاء الضلال والغي . والله المستعان ، والمرجو من فضل الله أن يوفقنا لاستيفاء هذا البحث في تفسير سورة البرائة إنشاء الله .
قوله تعالى : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه إلى آخر الآيتين ، لما كان المقام مقام الكفر بالنعمة وهو نظير الخيانة مما يوجب خسة الانفعال والخجل ذكر سبحانه من بين أنواع عذاب الآخرة ما يناسبها بحسب التمثيل وهو سواد الوجه الذي يكنى به في الدنيا عن الانفعال والخجل ونحوهما كما يشعر أو يدل على ذلك قوله تعالى : فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم .
وكذا ذكر من ثواب الشاكرين لهذه النعمة ما يناسب الشكر وهو بياض الوجه المكنى به في الدنيا عن الارتضاء والرضا .
قوله تعالى : تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ، الظرف متعلق بقوله : يتلوها ، والمراد كون التلاوة تلاوة حق من غير أن يكون باطلا شيطانياً ، أو متعلق بالآيات باستشمام معنى الوصف فيه أو مستقر متعلق بمقدر ، والمعنى أن هذه الآيات الكاشفة عن ما يصنع الله بالطائفتين : الكافرين والشاكرين مصاحبة للحق من غير أن تجري على نحو الباطل والظلم ، وهذا الوجه أوفق لما يتعقبه من قوله : وما الله يريد ظلماً .
قوله تعالى : وما الله يريد ظلماً للعالمين ، تنكير الظلم وهو في سياق النفي يفيد الاستغراق وظاهر قوله : للعالمين وهو جمع محلى باللام أن يفيد الاستغراق ، والمعنى على هذا أن الله لا يريد ظلماً أي ظلم فرض لجميع العالمين ، وكافة الجماعات ، وهو كذلك فإنما التفرق بين الناس أمر يعود أثره المشؤوم إلى جميع العالمين وكافة الناس .
قوله
تعالى : ولله ما في السموات والأرض وإلی
الله ترجع الامور ، لما ذكر أن