الله لا يريد الظلم علل ذلك بما يزول معه توهم صدور الظلم فذكر أن الله تعالى يملك جميع الأشياء من جميع الجهات فله أن يتصرف فيها كيف يشاء فلا يتصور في حقه التصرف فيما لا يملكه حتى يكون ظلماً وتعدياً .
على أن الشخص إنما ينحو الظلم إذا كان له حاجة لا يتمكن من رفعها إلا بالتعدي على ما لا يملكه ، والله الغني الذي له ما في السموات والأرض هذا ما قرره بعضهم لكنه لا يلائم ظاهر الآية فإن هذا الجواب يبتني بالحقيقة على غناه تعالى دون ملكه ، والمذكور في الآية هو الملك دون الغنى ، وكيف كان فملكه دليل أنه تعالى ليس بظالم .
وهناك دليل آخر وهو أن مرجع جميع الامور أياً ما كانت اليه تعالى فليس لغيره تعالى من الأمر شيء حتى يسلبه الله عنه وينتزعه من يده ويجري فيه إرادة نفسه فيكون بذلك ظالماً ، وهذا هو الذي يشير اليه قوله : وإلی الله ترجع الامور .
والوجهان كما ترى متلازمان أحدهما مبني على أن كل شيء له تعالى والثاني مبني على أن شيئاً من الامور ليس لغيره تعالى .
قوله تعالى : كنتم خير أُمة أُخرجت للناس ، المراد بإخراج الامة للناس ( والله أعلم ) إظهارها لهم ، ومزية هذه اللفظة ( الاخراج ) أن فيها إشعاراً بالحدوث والتكون قال تعالى : « وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَىٰ » الأعلى ـ ٤ ، والخطاب للمؤمنين فيكون قرينة على أن المراد بالناس عامة البشر والفعل أعني قوله : كنتم منسلخ عن الزمان ـ على ما قيل ـ والامة إنما تطلق على الجماعة والفرد لكونهم ذوي هدف ومقصد يؤمرونه ويقصدونه ، وذكر الإيمان بالله بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبيل ذكر الكل بعد الجزء أو الأصل بعد الفرع .
فمعنى الآية أنكم معاشر المسلمين خير امة أظهرها الله للناس بهدايتها لأنكم على الجماعة تؤمنون بالله وتأتون بفريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن المعلوم أن انبساط هذا التشريف على جميع الامة لكون البعض متصفين بحقيقة الإيمان والقيام بحق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا محصل ما ذكروه في المقام .
والظاهر ( والله أعلم ) أن قوله : كنتم غير
منسلخ عن الزمان ، والآية تمدح حال