فإنّ زيدا الحي هو الذي يتّصف بصفة العدالة أو بعدمها ، وهنا لدينا يقين بأنّ زيدا الحي كان عادلا ثمّ نشكّ في بقاء عدالته فيجري استصحاب بقائها لتماميّة أركان الاستصحاب.
الصورة الثانية : أن يشكّ في بقاء عدالة زيد ويشكّ أيضا في بقاء زيد على قيد الحياة ، فلو كان زيد ميّتا فلا معنى لبقاء عدالته ؛ لأنّها صفة يتّصف بها الحي لا الميّت ، وإن كان زيد حيّا فهو مشكوك العدالة ، أي أنّ الشكّ في بقاء عدالته إنّما هو على تقدير بقاء حياته.
فهنا لا يجري استصحاب بقاء العدالة ؛ وذلك لعدم إحراز بقاء الموضوع وهو حياة زيد ؛ إذ لعلّ زيدا ميّت فلا معنى لعدالته إذ لا موضوع لها ، فكيف يجري استصحاب بقاء العدالة والحال أنّ موضوعها غير محرز؟ مع أنّها صفة متأخّرة عن وجود الموضوع ، أي أنّها تثبت للموضوع والماهيّة الموجودة.
وبتعبير آخر : أنّ صفة العدالة على نحو مفاد ( كان ) الناقصة ، أي أنّها صفة للشيء والماهيّة بعد الفراغ عن ثبوت ووجود الماهيّة ، فإذا كانت الماهيّة مشكوكة وغير محرزة الوجود فسوف يشكّ في بقاء هذه الصفة ، إلا أنّه لا يجري استصحابها ؛ لأنّ موضوعها غير محرز ، إذ كيف يجري استصحاب بقائها على فرض كون الموضوع والماهيّة غير ثابتة؟ مع أنّها عرض يحتاج إلى الموضوع دائما ولا توجد من دونه ، ولذلك لا بدّ من إحراز موضوعها أوّلا ثمّ استصحاب بقائها ثانيا.
وعليه فلا بدّ من جريان استصحاب بقاء زيد حيّا في مرتبة سابقة لكي يتحقّق الموضوع.
وأمّا الاستشكال في جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة فسيأتي التعرّض له ضمن الإشكال على الصياغة الثانية لهذا الركن.
وهذه الاستشكالات نشأت من الصياغة المذكورة ، وهي لا مبرّر لها. ومن هنا عدل صاحب ( الكفاية ) (١) عنها إلى القول بأنّ المعتبر في الاستصحاب وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة ، وهي محفوظة في موارد الاستشكال الآنفة الذكر.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٨٦.