وأمّا بأن تكون خصوصيّة ما مشكوكة الدخل من أوّل الأمر في ثبوت الحكم فيفرض وجودها في القضيّة المتيقّنة ؛ إذ لا يقين بالحكم بدونها ، ثمّ ترتفع فيحصل الشكّ في بقاء الحكم.
وفي كلّ من هذين الوجهين لا وحدة بين القضيّة المتيقّنة والمشكوكة.
النحو الأوّل : أن تكون هناك خصوصيّة دخيلة يقينا في حدوث وثبوت الحكم ولكن يشكّ في كونها دخيلة في بقائه أيضا ، بحيث يكون ارتفاعها فيما بعد سببا للشكّ في بقاء الحكم ؛ لأنّها لو كانت دخيلة بقاء فقد ارتفع الحكم وإن لم تكن دخيلة بقاء فالحكم باق على حاله.
مثاله : نجاسة الماء المتغيّر بأوصاف النجاسة ، فإنّه يعلم أنّ التغيّر دخيل في ثبوت الحكم بالنجاسة على الماء ، ولكن لا يعلم كون التغيّر دخيلا كذلك بقاء ، بحيث لو زال التغيّر فيما بعد من نفسه فهل تبقى النجاسة أو ترتفع؟ فهنا الشكّ في بقاء الحكم نشأ من الشكّ في الخصوصيّات لا من الشكّ في ارتفاع الحكم من نفسه بالنسخ.
النحو الثاني : أن تكون هناك خصوصيّة موجودة ولكن يشكّ في كونها دخيلة في ثبوت الحكم من أوّل الأمر ، فيفرض كونها موجودة في موضوع الحكم وقيوده حدوثا ، ثمّ ترتفع فيما بعد فيشكّ في ارتفاع الحكم للشكّ في كونها دخيلة في ثبوت الحكم حدوثا وبقاء أو حدوثا فقط.
مثاله : وجوب صلاة الجمعة فإنّه يشكّ من أوّل الأمر في كون وجوبها هل هو الأعمّ من عصر الحضور وعصر الغيبة أو هو مختصّ بعصر الحضور؟ وعلى كلّ حال لا بدّ من فرض وتقدير دخالة عصر الحضور في الموضوع ، إذ هو القدر المتيقّن ، ولكن بعد عصر الحضور سوف يشكّ في بقاء وجوب صلاة الجمعة ؛ لأنّ هذه الخصوصيّة لو كانت دخيلة حدوثا وبقاء فقد ارتفعت الآن فلا وجوب وإلا فالوجوب باق على حاله.
وهذان النحوان من الشكّ يشكل جريان الاستصحاب فيهما من أجل الاستشكال في إمكان تطبيق الركن الثالث أي وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة ، وذلك لأنّ موضوع الحكم المتيقّن في المثال الأوّل هو الماء المتغيّر بينما الموضوع المشكوك هو الماء الذي زال عنه التغيّر ، وموضوع الحكم المتيقّن في المثال الثاني هو صلاة الجمعة في