كان المستصحب حكما أو موضوعا لحكم ، ولا تشمل كلّ أثر تنجيزي أو تعذيري سواء في المستصحب أو في الاستصحاب نفسه.
ومن هنا يرد إشكال على هذه الصياغة وهو أنّ المستصحب إذا كان قيدا أو شرطا أو جزءا من متعلّق الأمر ، فاللازم عدم جريان الاستصحاب لأنّ ما ذكر لا ينطبق عليها عنوان الحكم أو الموضوع.
وتوضيح ذلك : إذا قيل : ( تجب الصلاة ) فهنا الوجوب تعلّق بالصلاة ، وموضوع الوجوب هو الإنسان البالغ العاقل فيمكن جريان الاستصحاب في الوجوب أو البلوغ أو العقل عند الشكّ بها.
وأمّا بالنسبة للصلاة فهي مركّبة من قيود وشروط وأجزاء ، فالركوع والسجود ونحوهما أجزاء للصلاة ، والطهارة من الحدث والخبث شرط في الصلاة ، والاستقبال قيد أو شرط فيها.
وعلى هذا فلا يمكن جريان الاستصحاب في الطهارة ؛ لأنّها قيد للواجب وليست موضوعا للوجوب ولا حكما أيضا ، فكيف أجرى الإمام استصحاب طهارة الثوب في رواية زرارة الثانية في الفقرة الثالثة منها حيث قال : « تغسله ولا تعيد الصلاة » ، قلت : ولم ذلك؟ قال : « لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا ».
والحال أنّ متعلّق الأمر ليس حكما شرعيّا كالصلاة فإنّها ليست حكما ، بل الحكم هو الوجوب وليست موضوعا للحكم الشرعي ، وإنّما الموضوع هو المكلّف ، فأجزاؤها وقيودها وشروطها لا يجري فيها الاستصحاب ؛ لأنّها تحقّق الامتثال وكيفيّته فقط وليست حكما ولا موضوعا للحكم.
وقد يدفع الإشكال بأنّ إيجاد المتعلّق مسقط للأمر ، فهو موضوع لعدمه ، فيجري استصحابه لإثبات عدم الأمر وسقوطه.
وهذا الدفع بحاجة من ناحية إلى توسعة المقصود من الحكم بجعله شاملا لعدم الحكم أيضا ، وبحاجة من ناحية أخرى إلى التسليم بأنّ إيجاد المتعلّق مسقط لنفس الأمر لا لفاعليّته على ما تقدّم (١).
__________________
(١) في البحث الدليل العقلي من الحلقة الثانية ، تحت عنوان : مسقطات الحكم.