والأثر الذي يراد إثباته هو كون ما في الحوض من الماء متّصفا بالكرّيّة ، وهذا يعني أنّ ما يثبت هو مفاد ( كان ) التامّة أي أصل وجود الشيء ، وما يراد التوصّل إليه من الآثار هو مفاد ( كان ) الناقصة أي اتّصاف هذا الشيء بتلك الصفة ، ومن الواضح أنّ مفاد ( كان ) الناقصة لازم عقلي لمفاد ( كان ) التامّة.
نعم لو أردنا استصحاب اتّصاف الماء الموجود في الحوض بالكرّيّة بأن نقول : هذا الماء كان متّصفا بالكرّيّة والآن نشكّ في بقاء اتّصافه فيجري استصحاب هذا الاتّصاف ، لكان هذا الاستصحاب من أوّل الأمر ناظرا لمفاد ( كان ) الناقصة مباشرة ، من دون توسّط ( كان ) التامّة في ذلك ، وبالتالي يكون الأثر المترتّب على ذلك هو كون هذا الماء معتصما لا ينفعل بالنجاسة لمجرّد الملاقاة من دون تغيّر ، وهذا الأثر شرعي لا عقلي ، فيكون الاستصحاب تامّا.
بعد هذا نبحث في كلّ من القسمين لنرى مدى انطباق دليل الاستصحاب عليهما.
أمّا القسم الأوّل : فلا خلاف في ثبوته تعبّدا وعمليّا بدليل الاستصحاب ، سواء قلنا : إنّ مفاده : الإرشاد إلى عدم الانتقاض لعناية التعبّد ببقاء المتيقّن ، أو الإرشاد إلى عدم الانتقاض لعناية التعبّد ببقاء نفس اليقين ، أو النهي عن النقض العملي لليقين بالشكّ.
أمّا القسم الأوّل وهو الآثار الشرعيّة فهي تثبت بالاستصحاب بلا خلاف بينهم ، فيكون الاستصحاب مثبتا لتلك الآثار تعبّدا ، أي أنّ مفاده هو التعبّد ببقاء تلك الآثار الشرعيّة ولزوم الجري العملي على وفقها مهما كان مفاد هذا التعبّد ، أي أنّ الآثار الشرعيّة تثبت تعبّدا وعمليّا على جميع المسالك في تفسير مفاد دليل الاستصحاب وهي :
١ ـ أن يكون مفاد دليل الاستصحاب يعبدنا ببقاء المتيقّن على أساس كون النهي إرشادا إلى أنّ آثار المتيقّن لا يمكن نقضها بسبب حكم الشارع ببقائها تعبّدا ، فيكون الشارع قد نزّل المشكوك منزلة المتيقّن ، فيكون الاستصحاب أصلا تنزيليّا.
٢ ـ أن يكون مفاد دليل الاستصحاب يعبّدنا ببقاء اليقين نفسه ، فيكون النهي عن النقض نهيا إرشاديّا إلى أنّ اليقين السابق لا ينتقض عند الشكّ بسبب حكم الشارع