وأمّا حدود هذا التنزيل وهل هي تشمل جميع الآثار والأحكام الشرعيّة أو بعضها فقط؟ فهذا يحتاج إلى مراجعة دليل التنزيل لتحديد المقدار الناظر إليه.
وفي مقامنا يكون تنزيل المشكوك منزلة المتيقّن تنزيلا ظاهريّا لفرض الشكّ.
وعلى هذا فالمقدار الذي يثبت بدليل الاستصحاب هو الآثار والأحكام الشرعيّة الثابتة للمتيقّن ، فإنّها تسري إلى المشكوك ؛ لأنّ التنزيل يكون من الشارع بما هو شارع لا بما هو خالق ، ولذلك فلا تترتّب إلا الآثار التي تطالها يد الشارع بما هو كذلك ، وهي الآثار الشرعيّة دون اللوازم والآثار العقليّة ؛ لأنّها ليست من أحكام الشارع بما هو شارع.
فإن قيل : هذا يصحّ بالنسبة إلى الأثر الشرعي المترتّب على المستصحب مباشرة ، ولا يبرّر ثبوت الأثر الشرعي المترتّب على ذلك الأثر المباشر ؛ وذلك لأنّ الأثر المباشر لم يثبت حقيقة لكي يتبعه أثره ؛ لأنّ التنزيل ظاهري لا واقعي ، وإنّما ثبت الأثر المباشر تنزيلا وتعبّدا ، فكيف يثبت أثره؟
قد يقال : إنّه بناء على هذا المسلك تثبت الآثار الشرعيّة ، غير أنّ هذه الآثار كما تقدّم على ثلاثة أنحاء ، فما يثبت منها هو الآثار الشرعيّة المترتّبة على المستصحب مباشرة ، أي استصحاب الحكم الشرعي والموضوع للحكم الشرعي.
وأمّا الآثار الشرعيّة الطوليّة التي لا تترتّب على المستصحب مباشرة ، بل كانت من آثار ولوازم آثار المستصحب فلا تثبت ، كما هو الحال بالنسبة لاستصحاب طهارة الماء الموضوع لطهارة الطعام المغسول به الموضوع لجواز أكله وحلّيّته ، فإنّ الحلّيّة ليست من الآثار الشرعيّة المباشرة لطهارة الماء ، بل هي من آثار طهارة الطعام ، التي هي الأثر الشرعي المباشر لطهارة الماء ، فهذه الآثار ليست مشمولة لدليل الاستصحاب بناء على هذا المسلك.
وبتعبير آخر : أنّ الآثار الشرعيّة على قسمين : آثار مباشرة ، وآثار غير مباشرة.
أمّا الآثار المباشرة كاستصحاب عدالة زيد التي يترتّب عليها الحكم بجواز الصلاة خلفه ، وكاستصحاب وجوب الجمعة مثلا ، فلا إشكال في ثبوتها بالتنزيل المذكور ؛ لأنّها القدر المتيقّن من أدلّة التنزيل.
وأمّا الآثار غير المباشرة كثبوت حلّيّة الطعام التي موضوعها طهارة الطعام التي