تثبت باستصحاب طهارة الماء ، فهذه ليست من آثار طهارة الماء المستصحبة فكيف يتمّ التنزيل بلحاظها؟
إذ المفروض هنا أنّ التنزيل ظاهري لأخذ الشكّ في دليل الاستصحاب ، وليس تنزيلا حقيقيّا ، والتنزيل الظاهري مفاده جعل الحكم المماثل على طبق المؤدّى ، فالمستصحب منزّل منزلة المتيقّن ، ولذلك فالآثار المترتّبة على المستصحب تثبت وهذا يختصّ بالآثار الشرعيّة المباشرة ؛ لأنّها المترتبة على المستصحب ، وأمّا الآثار الشرعيّة الطولية أو غير المباشرة فهي ليست مترتّبة على المستصحب ، بل على آثار المستصحب فلا يشملها دليل التنزيل ، إلا بالقول : إنّ دليل التنزيل يثبت جميع الآثار الشرعيّة المباشرة أو مع الواسطة ، وهذا لا يمكن قبوله ؛ لأنّه يشمل الآثار الشرعيّة المترتّبة على الواسطة العقليّة أيضا ، وهذا لا يقوله أصحاب هذا المسلك.
وبكلمة ثالثة : أنّ الآثار المباشرة مترتّبة على المستصحب نفسه ، فإذا ثبت المستصحب حقيقة أو تعبّدا تثبت هذه الآثار ، وأمّا الآثار غير المباشرة فهي مترتّبة على آثار المستصحب ، وهذه الآثار ليست ثابتة حقيقة بل هي ثابتة بالتعبّد والتنزيل ، والتنزيل هنا ظاهري لا واقعي.
ومعنى ذلك أنّ ما هو ثابت لنا هو طهارة الطعام ظاهرا بينما حلّيّته مترتّبة على طهارة الطعام واقعا ، فالطهارة الظاهريّة ليست من لوازمها الحلّيّة ، بل الحلّيّة لازم للطهارة الواقعيّة وهي غير ثابتة ، فلم يتحقّق موضوعها.
كان الجواب : أنّه يثبت بالتنزيل أيضا ، إذ ما دام إثبات الأثر المباشر كان إثباتا تنزيليّا فمرجعه إلى تنزيله منزلة الأثر المباشر الواقعي ، وهذا يستتبع ثبوت الأثر الشرعي الثاني تنزيلا ، وهكذا.
والجواب : أنّ الآثار الشرعيّة غير المباشرة أي الطوليّة يمكن إرجاعها إلى آثار شرعيّة مباشرة ، وذلك بأن يقال : إنّ دليل الاستصحاب ما دام يستفاد منه تنزيل المشكوك منزلة الواقع المتيقّن ، فهذا يعني أنّ استصحاب طهارة الماء الذي غسل به الطعام المتنجّس يترتّب عليه طهارة الطعام ، وحينئذ تكون طهارة الطعام ثابتة بالتنزيل ، وهذا يعني أنّ طهارة الطعام ثابتة ظاهرا بالتنزيل فيترتّب عليها أثرها الشرعي المباشر وهو حلّيّة هذا الطعام.