والوجه في ذلك : أنّ دليل الاستصحاب الذي مفاده جعل الحكم المماثل تنزيلا يستفاد منه عدّة تنزيلات ، أي أنّه ينحلّ إلى تنزيلات متعدّدة من جهة الموضوع ومن جهة المحمول.
فالموضوع الذي هو طهارة الماء ثبت بالتنزيل وترتّب عليه أثره الشرعي أي طهارة الطعام المغسول به ، وهذا المحمول أي طهارة الطعام ثبت بالتنزيل فيترتّب عليه أثره الشرعي المباشر ، أي حلّيّة الطعام.
ولا وجه للتفصيل بين هذين التنزيلين ؛ لأنّه ترجيح بلا مرجّح.
وبتعبير آخر : أنّ دليل التنزيل عامّ من جهة الموضوع ومن جهة المحمول ، إذ لا دليل على اختصاصه بالموضوع فقط ، ولذلك تثبت الآثار المباشرة للموضوع وتثبت الآثار المباشرة للمحمول أيضا.
وأمّا على الثاني : فقد يستشكل بأنّه لا تنزيل في ناحية المستصحب على هذا التقدير ، وإنّما التنزيل والتعبّد في نفس اليقين ، وغاية ما يقتضيه كون اليقين بالحالة السابقة باقيا تعبّدا بلحاظ كاشفيّته.
ومن الواضح أنّ اليقين بشيء إنّما يكون طريقا إلى متعلّقه لا إلى آثار متعلّقه ، وإنّما يقع في صراط توليد اليقين بتلك الآثار ، واليقين المتولّد هو الذي له طريقيّة إلى تلك الآثار ، وما دامت طريقيّة كلّ يقين تختصّ بمتعلّقه فكذلك منجّزيّته ومحرّكيّته.
وعليه فالتعبّد ببقاء اليقين بالحالة السابقة إنّما يقتضي توفير المنجّز والمحرّك بالنسبة إلى الحالة السابقة ، لا بالنسبة إلى آثارها الشرعيّة.
وأمّا على المسلك الثاني وهو ما اختارته مدرسة الميرزا من أنّ المستفاد من دليل الاستصحاب هو تنزيل الشكّ منزلة اليقين أي أنّ الشاكّ كالمتيقّن ، فإنّه على هذا المسلك يكون التنزيل بلحاظ نفس اليقين لا المتيقّن ، أي هنا تعبّد وتنزيل بلزوم الجري العملي على وفق اليقين أو التعبّد ببقاء نفس اليقين السابق.
وأمّا الآثار الشرعيّة المترتّبة على المستصحب ، فهذه لا يمكن استفادتها من دليل الاستصحاب على أساس هذا المسلك ؛ وذلك لأنّ ما يقتضيه الحكم ببقاء اليقين أو الجري العملي على وفق كون الحالة السابقة لا تزال باقية تعبّدا لا حقيقة ، حيث