لوحظ اليقين هنا بما هو كاشف وطريق إلى متعلّقه لا بما هو موضوع ، إذ لا يصحّ إسناد النقض إليه كما تقدّم.
وبهذا يكون التعبّد ببقاء اليقين الكاشف والطريقي تعبّدا ببقاء المتعلّق ؛ لأنّ اليقين إنّما يكون طريقيّا وكاشفا عن متعلّقه فقط ، وأمّا آثار متعلّقه فهذه لا يكشف عنها اليقين ابتداء ولا تقع في طريق كاشفيّة اليقين ؛ لأنّ الكشف عن المتعلّق لا يعني الكشف عن آثاره المترتّبة عليه ، فيكون اليقين الذي نستفيده من دليل التعبّد الاستصحابي طريقيّا وكاشفا عن تلك الحالة السابقة فقط.
وأمّا الآثار الشرعيّة التي تترتّب على المتعلّق فهذه لا يمكن إثباتها بناء على هذا المسلك ؛ لأنّ طريقيّة اليقين وكاشفيّته إنّما تكون بلحاظ متعلّقه فيكون هذا اليقين محرّكا ومنجّزا بلحاظ ما يقتضيه متعلّقه فقط ؛ لأنّها هي التي تمّ عليها المحرّك والمنجّز.
وبتعبير آخر : أنّ دليل الاستصحاب مفاده التعبّد ببقاء اليقين وعدم جواز نقضه ، وهذا يكون بلحاظ الجري العملي على وفق ما يقتضيه اليقين الكاشف والطريقي ، لا اليقين الموضوعي ؛ لأنّ إسناد النقض إليه غير معقول.
وعلى هذا فالكاشفيّة والطريقيّة لليقين تكون بلحاظ كشفه عن متعلّقه ، فالتعبّد ببقاء اليقين يعني التعبّد بوجود المحرّك والمنجّز بلحاظ الحالة السابقة التي حكم ببقاء اليقين بها ، وأمّا الآثار الشرعيّة فهي ليست آثارا لكاشفيّة اليقين ، بل هي آثار للمتيقّن نفسه ، فلم تكن داخلة في كاشفيّة وطريقيّة اليقين المتولّد من الاستصحاب ، وهذا يعني أنّ الاستصحاب غاية ما ينظر إليه هو ثبوت الحالة السابقة دون غيرها.
وبكلمة ثالثة : أنّ اليقين متعلّق بالمؤدّى والمستصحب بحسب كاشفيّته وطريقيّته ، والتعبّد الاستصحابي المستفاد منه الحكم ببقاء اليقين على أساس جعل العلميّة والطريقيّة في الاستصحاب كما هي مقالة السيّد الخوئي يعبّدنا بأنّ الشاكّ كالمتيقّن ، فيثبت المؤدّى والمستصحب ؛ لأنّه واقع في طريق الكاشفيّة والطريقيّة لليقين ، وهذا التعبّد يقتضي الجري العملي على وفق المستصحب ، وأمّا الآثار الشرعيّة فهي ليست داخلة في كاشفيّة وطريقيّة اليقين ؛ لأنّ اليقين لا يكشف إلا عن المتعلّق وبالتالي لا يكون محرّكا ومنجّزا إلا للمتعلّق.
فإن قيل : أليس من يكون على يقين من شيء يكون على يقين من آثاره أيضا؟