كان الجواب : أنّ اليقين التكويني بشيء يلزم منه اليقين التكويني بما يعرفه الشخص من آثاره ، وأمّا اليقين التعبّدي بشيء فلا يلزم منه اليقين التعبّدي بآثاره ؛ لأنّ أمره تابع امتدادا وانكماشا لمقدار التعبّد ، ودليل الاستصحاب لا يدلّ على أكثر من التعبّد باليقين بالحالة السابقة.
قد يقال : إنّ الآثار الشرعيّة المباشرة تترتّب أيضا ؛ وذلك لأنّ دليل الاستصحاب مفاده جعل العلميّة والطريقيّة ، وهذا يعني أنّ المكلّف يصبح عالما بالحالة السابقة تعبّدا ، ومن الواضح أنّ العلم بشيء علم بلوازمه أيضا ، فيكون العلم متعلّقا بالحالة السابقة وبآثارها الشرعيّة مطلقا.
وجوابه : أنّ الملازمة بين ثبوت شيء وثبوت آثاره ولوازمه ملازمة تكوينيّة واقعيّة ، فإذا كان لدينا علم وجداني بالشيء فهذا الشيء صار ثابتا واقعا وتكوينا ، وبالتالي تترتّب آثاره ولوازمه تبعا للملازمة التكوينيّة بينهما.
وأمّا إذا كان لدينا يقين تعبّدي كما في مقامنا ، فاليقين التعبّدي يتحدّد بالمقدار الذي يدلّ عليه الدليل سعة وضيقا ، فإن كان دليل التعبّد يستفاد منه التعبّد بجميع الآثار فيؤخذ بها ، وإن لم يكن له مثل هذه الدلالة فيقتصر فيه على المقدار المتيقّن الذي يدفع به محذور اللغويّة من التعبّد لا أكثر.
وهنا دليل الاستصحاب يعبّدنا ببقاء اليقين بالحالة السابقة فيثبت هذا المقدار فقط ، باعتبار اليقين كاشفا عن متعلّقه ، وبالتالي تترتّب الآثار الشرعيّة المباشرة دفعا لمحذور اللغويّة من التعبّد ، وأمّا سائر الآثار الشرعيّة فهذه لا تثبت إلا بالملازمة التكوينيّة وهذه سببها غير موجود ، أو بشمول دليل التعبّد لها بالمطابقة وهذا أيضا غير موجود.
والتحقيق : أنّ تنجّز الحكم يحصل بمجرّد وصول كبراه وهي الجعل ، وصغراه وهي الموضوع ، فاليقين التعبّدي بموضوع الأثر بنفسه منجّز لذلك الأثر والحكم وإن لم يسر إلى الحكم.
والتحقيق أن يقال : إنّ المنجّزيّة تترتّب على أمرين :
الأوّل : وصول الكبرى وهي الجعل.
والثاني : تحقّق الصغرى وهي الموضوع.
فمثلا وجوب الحجّ على المستطيع إنّما يكون منجّزا فيما إذا وصل الجعل إلى