وقد تقدّم تحقيق الكلام في ذلك في الحلقة السابقة (١) ، واتّضح أنّ كلمة ( النقض ) لا تصلح للتقييد.
والجواب : أنّ كلمة ( النقض ) وإن كان معناها يفترض الاستحكام والإبرام إلا أنّها مسندة إلى اليقين نفسه لا إلى المتيقّن ، ومن الواضح أنّ اليقين فيه استحكام ؛ لأنّه التصديق وإذعان النفس واستقرارها ، فلا تكون هذه الكلمة دالّة على التقييد إلا إذا استظهر كونها مسندة إلى المتيقّن ، وهذا غير تامّ كما تقدّم سابقا.
والقول الآخر : ما ذهب إليه السيّد الأستاذ (٢) من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة واختصاصه بالشبهات الموضوعيّة ، وذلك ـ بعد الاعتراف بإطلاق دليل الاستصحاب في نفسه لكلا القسمين من الشبهات ـ بدعوى أنّ عدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكميّة ينشأ من التعارض بين استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل.
التفصيل الثاني : ما ذكره المحقّق النراقي وطوّره السيّد الخوئي رحمهالله ، وحاصله : أنّ دليل الاستصحاب شامل في نفسه لكلا القسمين تمسّكا بالإطلاق ، فيشمل الشبهات الموضوعيّة والشبهات الحكميّة.
أمّا الشبهات الموضوعيّة فيجري فيها استصحاب الموضوع واستصحاب الحكم الجزئي المترتّب على هذا الموضوع ، فإذا كان لدينا طعام طاهر ثمّ شككنا في بقاء طهارته جرى استصحاب طهارته وجرى استصحاب جواز أكله ؛ لأنّه متيقّن أيضا.
وأمّا في الشبهات الحكميّة الكلّيّة كوجوب صلاة الجمعة حال الغيبة ، أو طهارة الماء المتغيّر الذي زال عنه التغيّر من نفسه ، فهنا لا يجري الاستصحاب ؛ لأنّه مبتلى بالمعارض ، أو أنّ الاستصحاب يجري لكنّه يسقط بالمعارضة.
وهذا مختصّ في الحكم الإلزامي لا الترخيصي ، فإنّ استصحاب الحكم الترخيصي لا معارض له فيجري ؛ لأنّه في الحكم الإلزامي إذا أجري استصحاب بقاء الحكم المجعول فيعارضه استصحاب عدم الجعل ، بينما في الحكم الترخيصي إذا أجري استصحاب عدم المجعول فلا يكون استصحاب عدم الجعل معارضا له بل مؤيّدا.
__________________
(١) في بحث الاستصحاب ، تحت عنوان : عموم جريان الاستصحاب.
(٢) مصباح الأصول ٣ : ٣٦.