وتوضيح ذلك : أنّ الحكم الشرعي ـ كما تقدّم في محلّه (١) ـ ينحلّ إلى جعل ومجعول ، والشكّ فيه تارة يكون مصبّه الجعل وأخرى يكون مصبّه المجعول.
فالنحو الأوّل من الشكّ يعني أنّ الجعل قد تعلّق بحكم محدّد واضح بكلّ ما له دخل فيه من الخصوصيّات ، غير أنّ المكلّف يشكّ في بقاء نفس الجعل ويحتمل أنّ المولى ألغاه ورفع يده عنه ، وهذا هو النسخ بالمعنى الحقيقي في عالم الجعل.
توضيح التفصيل المذكور : أنّ الحكم الشرعي ينحلّ إلى الحكم بلحاظ عالم الجعل ، وإلى الحكم بلحاظ عالم المجعول.
أمّا الحكم بلحاظ عالم الجعل فهو عبارة عن الحكم الإنشائي والاعتبار المولوي وتشريع الحكم على المكلّف.
وأمّا الحكم بلحاظ عالم المجعول فهو عبارة عن الحكم الفعلي الذي يكون محرّكا وباعثا للمكلّف ، فإنّ الحكم إنّما يصير فعليّا فيما إذا تحقّقت قيوده وشروطه وموضوعه وقيوده في الخارج.
وحينئذ نقول : إنّ الشكّ في الحكم الشرعي تارة يكون بلحاظ عالم الجعل وأخرى بلحاظ عالم المجعول.
أمّا الشكّ في الحكم بلحاظ عالم الجعل فهو يكون بأصل تشريع الحكم ، أي أنّ المولى هل شرّع هذا الحكم أم لا؟ كالشكّ في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال ، فإنّ الموضوع محدّد ومعروف بكلّ خصوصيّاته ، وكذا الحكم لا شكّ في قيوده وشروطه وإنّما يشكّ في أصل جعله على المكلّف.
ويتصوّر أيضا في الموارد التي يعلم فيها بأصل الجعل والتشريع ، أي أنّ المكلّف يعلم بأنّ الشارع قد جعل هذا الحكم بكلّ ما له من خصوصيّات على موضوعه المحدّد من جميع الحيثيّات ، ولكنّه يشكّ في الحكم من جهة احتمال أن يكون الشارع قد ألغاه ورفع اليد عنه ، وهذا يسمّى بالشكّ في النسخ بمعناه الحقيقي.
والنحو الثاني من الشكّ يعني أنّ الجعل ثابت ولا يحتمل نسخه ، غير أنّ الشكّ في مجعوله والحكم المنشأ به ، فلا يعلم مثلا هل أنّ المولى جعل النجاسة على الماء المتغيّر حتّى إذا زال تغيّره من قبل نفسه ، أو جعل النجاسة منوطة بفترة التغيّر
__________________
(١) بحث الدليل العقلي من الحلقة الثانية ، تحت عنوان : قاعدة إمكان التكليف المشروط.