الآخر المفاهيم في واقعها ، فلا يمكن أن يكون دليل الاستصحاب ناظرا إلى الحكم الكلّي بهذين النظرين معا ؛ لأنّ أحدهما تصوّري والآخر تصديقي ، وسيأتي بيانه مفصّلا.
الثاني : أن يطبّق دليل الاستصحاب على الحكم الكلّي بلحاظ الحمل الأوّلي ، فهنا يجري استصحاب المجعول الكلّي ، ولا يجري استصحاب عدم جعل الزائد ؛ لأنّه بهذا اللحاظ لا يوجد إلا المجعول الكلّي الذي هو نفس الجعل ولا يوجد جعل ومجعول كلّ على نحو مستقلّ ، وهذا المجعول الكلّي ينظر إليه بما هو صفة لأمر خارجي ، ولذلك كان هذا الجعل أو المجعول الكلّي يتّصف بالحدوث والبقاء ؛ لأنّ الأمر الخارج له حدوث وبقاء حيث إنّ وجوده في واقعه الذي هو الخارج يكون على أساس الطوليّة بين حصصه.
وأمّا استصحاب عدم جعل الزائد فلا يجري ؛ لأنّ هذا الاستصحاب المنظور فيه القضيّة أي ( المجعول الكلّي ) بلحاظ نفس الاعتبار والتشريع أي الحمل الشائع لا الأوّلي ، وبهذا اللحاظ لا يوجد حدوث وبقاء ، بل إمّا أن يجعل أو لا.
الثالث : أن يطبّق الاستصحاب في الشبهات الحكميّة على المجعول الكلّي بالحمل الشائع ، أي بلحاظ واقع هذه القضيّة المجعولة والذي هو نفس الشارع وعالم الاعتبار والتشريع ، وبهذا اللحاظ سوف لا يجري استصحاب بقاء المجعول الكلّي ؛ لأنّه في هذا اللحاظ توجد الحصص في عرض واحد وليس هناك طوليّة بينهما ليعقل الشكّ في البقاء.
وأمّا استصحاب عدم جعل الزائد فهو يجري هنا ؛ لأنّ الجعل لإحدى الحصّتين معلوم ، بينما الجعل للحصّة الأخرى مشكوك حدوثه فيستصحب عدمه.
وبهذا ظهر : أنّه لا تعارض بين استصحاب المجعول واستصحاب الجعل ؛ وذلك لأنّ استصحاب المجعول إنّما يكون بلحاظ المجعول الكلّي بالحمل الأوّلي ، بينما استصحاب عدم الجعل يكون بلحاظ المجعول الكلّي بالحمل الشائع.
فإذا جرى استصحاب المجعول لا يجري استصحاب عدم الجعل ، وإذا جرى استصحاب عدم الجعل لا يجري استصحاب المجعول ، إذ جريانهما معا معناه النظر إلى المجعول الكلّي بلحاظين ونظرين معا وهو مستحيل.