وحيث إنّ المرجع هو العرف وهو يرى جريان الاستصحاب بلحاظ الحمل الأوّلي ، فيجري استصحاب المجعول بلا معارض.
إن قيل : لما ذا لا نحكّم كلا النظرين ونلتزم بإجراء استصحاب عدم الجعل الزائد تحكيما للنظر الأوّل في تطبيق دليل الاستصحاب ، وإجراء استصحاب المجعول تحكيما للنظر الثاني ، ويتعارض الاستصحابان؟
إن قيل ـ كما هي مقالة صاحب التفصيل المذكور ـ : لما ذا لا يجري كلا الاستصحابين معا؟ وذلك بأن ننظر إلى القضيّة المجعولة تارة بالحمل الأوّلي فيجري استصحاب المجعول ، وأخرى بالحمل الشائع فيجري استصحاب عدم الجعل الزائد ، وهذان الاستصحابان متعارضان ؛ لأنّ أحدهما منجّز للحكم والآخر ينفيه ، فيحكم بتساقطهما.
كان الجواب : أنّ التعارض لا نواجهه ابتداء في مرحلة إجراء الاستصحاب بعد الفراغ عن تحكيم كلا النظرين ، وإنّما نواجهه في مرتبة أسبق أي في مرحلة تحكيم هذين النظرين ، فإنّهما لتهافتهما ينفي كلّ منهما ما يثبته الآخر من الشكّ في البقاء ، ومع تهافت النظرين في نفسيهما يستحيل تحكيمهما معا على دليل الاستصحاب لكي تنتهي النوبة إلى التعارض بين الاستصحابين ، بل لا بدّ من جري الدليل على أحد النظرين وهو النظر الذي يساعد عليه العرف خاصّة.
كان الجواب : أنّ تحكيم كلا النظرين في نفسه مستحيل بقطع النظر عن المعارضة التي تحصل فيما بعد هذا التحكيم ، بمعنى أنّ المعارضة ثابتة في مرحلة سابقة والتي هي مرحلة المدلول التصوّري ، فلا يمكننا غضّ النظر عن هذه المعارضة والالتزام بإيقاعها في مرحلة متأخّرة ، والتي هي مرحلة المدلول التصديقي أي مرحلة التطبيق.
وحينئذ نقول : إنّ المعارضة لمّا كانت ثابتة في مرحلة المدلول التصوّري ، فهذا يعني أنّ الاستصحاب لا يمكن أن يكون مفاده ونظره إلى كلا اللحاظين والنظرين ؛ لأنّ شموله لهما معا يؤدّي إلى الاستحالة والتهافت لما تقدّم منّا سابقا ، بأنّ أحدهما ينظر إلى القضيّة المجعولة بما هي في نفس الشارع والآخر ينظر إلى القضيّة في واقعها ، والأخذ بهما يؤدّي إلى التهافت ؛ لأنّ أحدهما ينجّز والآخر يؤمّن أو أحدهما ينفي ما يثبته الآخر أو بالعكس.