الاستصحاب حكم شرعي ولا بدّ أن ينصبّ التعبّد فيه على عنوان ، وكما أنّ العنوان التفصيلي يجري فيه الاستصحاب بما هو مرآة للخارج كذلك العنوان الإجمالي الكلّي.
فجوابه : سلّمنا أنّ الكلّي والجامع إنّما يترتّب عليه الحكم بما هو مرآة للخارج لا بما هو مفهوم ذهني ، إلا أنّه مع ذلك يجري فيه الاستصحاب ؛ وذلك لأنّ الاستصحاب حكم شرعي كغيره من الأحكام الشرعيّة التي تنصبّ على العناوين والمفاهيم الذهنيّة بما هي حاكية عن الخارج لا بما هي أمر ومفهوم ذهني.
وعليه فكما أنّ الاستصحاب يجري بلحاظ العناوين الجزئيّة التفصيليّة بقصد حكايتها عن الخارج ، فكذلك يجري بلحاظ العناوين الكلّيّة الإجماليّة بقصد حكايتها عن الخارج أيضا ، ولا فرق بين العنوان التفصيلي وبين العنوان الكلّي الإجمالي من هذه الناحية.
وتوضيح ذلك : أنّنا إذا علمنا بعدالة زيد ثمّ شككنا في بقائه جرى استصحاب بقاء العدالة ، ولكنّ استصحاب العدالة هذا يجري بلحاظ الصورة الذهنيّة للعدالة الحاكية عن الخارج ، لا بلحاظ العدالة الموجودة في الخارج ؛ إذ لا يمكن أن ينصبّ الاستصحاب مباشرة وابتداء على الخارج من دون توسّط عنوان ومفهوم ؛ لأنّ الاستصحاب حكم شرعي والأحكام الشرعيّة تنصبّ على الصور الذهنيّة الحاكية عن الخارج ، لا على الصور الذهنيّة بما هي أمر ذهني ولا على الخارج مباشرة.
وهكذا الحال لو علمنا بدخول زيد أو عمرو إلى المسجد فعلمنا بجامع الإنسان ، فإنّ استصحاب بقاء كلّي الإنسان في المسجد يجري بلحاظ الإنسان الكلّي بما هو حاك عن الخارج ، لا بما هو أمر ذهني ، ولا بالخارج مباشرة الذي يحكي عنه هذا الكلّي ليشكل بأنّه ليس متيقّنا.
وبهذا يظهر أنّه لا بدّ في جريان الاستصحاب من جريانه بلحاظ العنوان والمفهوم ، سواء كان هذا العنوان تفصيليّا أم كان عنوانا إجماليّا ، ما دام كلا العنوانين يحكيان عن الخارج ، ويراد بإجراء الاستصحاب فيهما التوصّل إلى الخارج ؛ لأنّه يمتنع جريان الاستصحاب بلحاظ الخارج ابتداء ؛ لأنّ الاحكام لا تتعلّق بالخارج مباشرة ، بل بالصور الذهنيّة الحاكية والكاشفة والتي تكون مرآة عن الخارج.