مقولة اخرى حتى يجعل طبيعة الصلاة كذلك. ووضع لفظ الصلاة للكم المنفصل القائم باجزاء الصلاة لا يتفوّه به عاقل ؛ ضرورة أن الصلاة أمر متكمّم ، لا أنّ حقيقتها حقيقة الكم المنفصل.
وأما حديث تأثير الصلاة بمراتبها المختلفة ـ كمّا وكيفا ـ في الانتهاء عن الفحشاء ، فلا يكشف عن وحدة حقيقية ذاتية بين مراتب الصلاة ؛ لأنّ جهة النهي عن الفحشاء والمنكر واحدة بالعنوان ، لا واحدة بالذات والحقيقة ، والواحد بالعنوان لا يكشف إلا عن واحد بالعنوان ، وهو عنوان ( الناهي عن الفحشاء والمنكر ) ، وإن كان ذات المنكر في كل مرتبة مباينا للمنكر الذي تنهى عنه مرتبة اخرى.
وأما تصور كيفية تأثير مراتب الصلاة في الانتهاء عن الفحشاء ، فيمكن توجيهه وتقريبه بما لا ينافي البراهين القاطعة ؛ بأن يقال : إن مجموع الأجزاء بالأسر مؤثرة في صرف النفس عن جملة من المنكرات ، أو في استعداد النفس للانتهاء عنها ، لمكان مضادة كل جزء لمنكر بإزائه ، وما دون المرتبة العليا تؤثر في صرف النفس عن جملة أقل من الاولى. هذا في المراتب المختلفة بالكمية.
وأما المختلفة بالكيفية فيمكن الالتزام بتأثير إحداها في صرف النفس عن جملة ، وتأثير الاخرى في جملة اخرى. وعلى هذا فلا حاجة إلى الالتزام بجامع ذاتي في مرتبة فضلا عن المراتب : أما في مرتبة واحدة ؛ لأن (١) أثر كل جزء غير ما هو أثر الآخر ، واما في المراتب المختلفة كمّا وكيفا ، فلاتحاد طبائع الاجزاء في الأولى ، واختلاف الآثار ـ كالمؤثرات ـ في الثانية ، ومع هذا صحّ أن الصلاة بمراتبها تنهى عن المنكر والفحشاء. كما يمكن أن يجعل كل مرتبة ناهية عن منكر خاص ، من دون الالتزام بتأثير كل جزء في النهي عن منكر.
وبالجملة : الاتحاد بالعنوان لا يكشف عن الاتحاد في الحقيقة.
__________________
(١) كذا في الأصل ، والأصوب : فلأنّ ..