الحكمة : ( وجود كلّه ، وجوب كله ، علم كله ، قدرة كله ) (١) ، لا أن منه ما هو علم ، ومنه ما هو قدرة.
قلت : المفاهيم وإن كانت مثار الكثرة والمغايرة ، إلا أنها قسمان :
منها ـ ما هي متباينة لا يعقل أن يكون مطابقها واحدا ، كالعلة والمعلول مثلا.
ومنها ـ ما لا يأبى أن يكون مطابقها واحدا بالوجود ، كالعلم والقدرة ، فإنّ مفهومهما لا يقتضيان تغاير ما تصدقان عليه ، بل المغايرة إنما تثبت من الخارج ، ففيما كان ذات الشيء بذاته مطابقا ومصداقا للعلم والقدرة ، ـ لا في مرتبة متأخّرة عن ذاته ـ فلا محالة تكون موجودة بوجود واحد ، بلا جهة وحيثية زائدة على حيثية الذات. وفيما إذا كان الذات مصداقا لها في المرتبة المتأخّرة عن ذاتها ، فلا محالة يكون مطابق المبدأ ـ الذي هو من المفاهيم الثبوتية ـ موجودا آخر غير الذات.
وأما تصور مطابقة ذات واحدة (٢) لمفاهيم متعددة ، ورجوع حقائق صفاته ـ تعالى ـ الى حيثية ذاته المقدّسة ، فهو وان كان له مقام آخر ، لكنه لا بأس بالإشارة الإجمالية إليه تحقيقا لما حققناه ، وتثبيتا لما ذكرناه ، فنقول :
__________________
(١) الأسفار ٦ : ١٢١ ونقله عن أبي نصر الفارابي ، وكذا نقله الدواني (رحمه الله) في تعليقاته على شرح القوشجي : ٣٠ عن الفارابي في تعليقاته.
(٢) قولنا : ( وأما تصوّر مطابقة ذات واحدة ... الخ ).
توضيحه على وجه الاختصار : أن ما يعرض الموجودات على ثلاثة أقسام :
أحدها ـ ما يعرض الوجود الواجبي ـ جلّ ذكره ـ كوجوب الوجود ، والوحدة الصرفة ، والبساطة المحضة ، والاستقلال في الوجود ، والجاعلية بالذات ، واشباهها.
ثانيها ـ ما يعرض الوجود الإمكاني كالإمكان ـ بمعنى الافتقار الوجودي ، وكونه ذا ماهية مقولية ـ والكثرة ، والمعلولية ، وأشباهها.
ثالثها ـ ما يعرض الوجود من دون اختصاص بموجود دون موجود كالتشخّص ، والتعيّن ،