والجواب عن ذلك : أن هذه المناقشة لا تختص بالمقام بل تأتي بعينها في موارد العدول الواجب أيضاً ، كما إذا فرضنا في المثال أن المجتهد الثاني أعلم من الأول أو أن الأول مات أو جنّ أو أنه عدل عن فتواه بعد ما عمل المكلف على طبقها ، فإن العدول في تلك الموارد واجب ولا إشكال فيه.
والّذي ينبغي أن يقال في حل الشبهة في مطلق العدول : إن المكلف إذا عدل إلى الفتوى المتأخرة فمقتضى القاعدة الأولية أن يعيد أعماله الّتي أتى بها على طبق الفتوى المتقدمة ، لأن بالفتوى الثانية يستكشف عدم كونها مطابقة للواقع من الابتداء. نعم لو قام هناك دليل دلّ على صحة ما أتى به على طبق الحجة السابقة ، أي دلّ على إجزائها عن الواقع كما ذهب إليه بعضهم لم تجب عليه الإعادة لصحتها وصحة الأعمال اللاّحقة المترتبة على صحتها ، وهذا من غير فرق بين أن يكون العدول سبباً للعلم بالمخالفة التفصيلية أو الإجمالية وبين أن لا يكون. وأما لو لم يقم دليل على صحة الأعمال السابقة وإجزائها عن الواقع ، فلا مناص من الإعادة حتى لا يحصل العلم بالمخالفة من غير معذّر. والإجزاء وإن لم يقم دليل عليه على نحو الكلية إلاّ أن حديث لا تعاد على ما قدّمناه في أوائل الكتاب (١) يقتضي عدم وجوب الإعادة فيما إذا كان الخلل الواقع في الصلاة في غير الخمسة المستثناة في الحديث ، لأنه على ما حققناه هناك لا يختص بالناسي كما ذهب إليه شيخنا الأستاذ قدسسره بل يعم الجاهل القاصر أيضاً ومن أظهر موارده المقام ، هذا كلّه في وجوب الإعادة وعدمه.
وأما القضاء فحيث إنه بأمر جديد وموضوعه الفوت ، فلا مناص في وجوبه من إحراز الفوت وجداناً أو تعبداً ، فإذا فرضنا أن المجتهد المعدول إليه قد استند فيما أفتى به على خلاف فتوى المجتهد المعدول عنه ، إلى دليل حجة في مدلوله المطابقي والالتزامي ، فلا محالة يثبت به لوازمه ويحرز به الفوت ويجب على المكلف القضاء وأما لو شككنا في ذلك فمقتضى البراءة عدم وجوب القضاء ، فإن استصحاب عدم الإتيان بالواجب في وقته لا يثبت به الفوت.
وقد اتضح بما سردناه أن هذا الدليل إنما يقتضي وجوب الإعادة أو هي مع القضاء
__________________
(١) راجع ص ٣٣.