خبران على وجوب شيء فإن المجتهد إذن أفتى بالوجوب مستنداً إلى الجامع بين الخبرين فقد استند إلى الحجة وعمل على طبقها من دون أن يجب عليه تعيين ما عمل به وأنه أيهما.
وأما الصورة الثانية : أعني ما إذا علمت المخالفة بينهما ولو على سبيل الإجمال ، كما إذا علم بمخالفتهما في المسائل الّتي هي محل الابتلاء ، وكان فتوى غير الأعلم على خلاف الاحتياط ، أو كان كل منهما موافقاً للاحتياط من جهة ومخالفاً له من جهة فقد قدّمنا أن المعروف بين أصحابنا وجوب تقليد الأعلم ، وعن شيخنا الأنصاري قدسسره أنه لم ينقل فيه خلاف عن معروف (١). بل ادعى بعضهم عليه الإجماع. وذهب جماعة ومنهم صاحب الفصول إلى جواز الرجوع إلى غير الأعلم (٢).
أدلّة عدم وجوب تقليد الأعلم
واستدل عليه بوجوه : عمدتها التمسك بإطلاق الأدلة الواردة في جواز الرجوع إلى الفقيه وحجية رأيه وفتواه ، فإن قوله عزّ من قائل ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ) (٣) والأخبار الآمرة بالرجوع إلى يونس بن عبد الرّحمن أو زكريا بن آدم وأمثالهما ، وكذا سائر الأدلة الدالة على جواز تقليد الفقيه ، لم يتقيد بما إذا كان العالم أو الفقيه أعلم من غيره. بل مقتضى إطلاقها جواز الرجوع إلى كل من الأعلم وغيره إذا صدق عليه عنوان العالم أو الفقيه أو غيرهما من العناوين الواردة في الروايات علمت مخالفتهما أو موافقتهما في الفتوى أم لم تعلم ، هذا.
بل ربّما يقال : إن الغالب بين أصحابهم عليهمالسلام الّذين أرجعوا الناس إلى السؤال عنهم في الأخبار المتقدمة ، هو المخالفة في الفتوى لندرة التوافق بين جمع كثير ومع غلبة الخلاف لم يقيّدوا عليهمالسلام الرجوع إليهم بما إذا لم تكن فتوى من أرجع إليه مخالفة لفتوى غيره من الفقهاء ، مع العلم العادي باختلافهم أيضاً في
__________________
(١) رسالة في الاجتهاد والتقليد : ٧١.
(٢) الفصول الغروية : ٤٢٣.
(٣) التوبة ٩ : ١٢٢.