الفضيلة ، لعدم احتمال تساوي الجميع في العلمية والفقاهة ، وهذه قرينة قطعية على أن الأدلة المتقدمة مطلقة ، وأن فتوى غير الأعلم كفتوى الأعلم في الحجية والاعتبار وإن كانت بينهما مخالفة.
وفيه : أن الغلبة المذكورة لا يمكن أن تكون قرينة على المدعى ، والوجه فيه أن المخالفة في الفتوى وإن كانت كثيرة ، بل هي الغالب كما ذكر وكذلك اختلافهم في الفضيلة والعلم ، إلاّ أن العلم بالمخالفة أمر قد يكون وقد لا يكون ولم يفرض في شيء من الأخبار الآمرة بالرجوع إلى الرواة المعيّنين علم السائل بالخلاف ، وكلامنا في الصورة الثانية إنما هو في فرض العلم بالمخالفة بين الأعلم وغيره ، فالأخبار المذكورة لو دلت فإنما تدل على المدعى بالإطلاق لا أنها واردة في مورد العلم بالمخالفة لتكون كالنص في الدلالة على حجية فتوى غير الأعلم في محل الكلام ، فليس في البين إلاّ الإطلاق.
ويرد على التمسك بالإطلاق : انا ذكرنا غير مرّة في البحث عن حجية الخبر والتعادل والترجيح (١) وغيرهما ، أن إطلاق أدلّة الحجية لا يشمل المتعارضين ولا مجال فيهما للتمسك بالإطلاق ، بلا فرق في ذلك بين الشبهات الحكمية والموضوعية كما إذا ورد خبران دلّ أحدهما على وجوب شيء والآخر على حرمته أو قامت بينة على طهارة شيء والأُخرى على نجاسته ، فإنه لا يشمل أدلة اعتبار الخبر أو البينة أو غيرهما من الحجج والأمارات شيئاً منهما ، وسرّه أن شمولها لكلا المتعارضين يستلزم الجمع بين الضدين أو النقيضين ، وشمولها لأحدهما المعيّن دون الآخر بلا مرجح ولأحدهما المخيّر أعني أحدهما لا بعينه لا دليل عليه ، لأن مفاد أدلة الاعتبار إنما هو الحجية التعيينية لا حجية هذا أو ذاك. إذن مقتضى القاعدة هو التساقط في كل دليلين متعارضين ، اللهُمَّ إلاّ أن يقوم دليل على ترجيح أحدهما أو على التخيير كالأخبار العلاجية وهو مختص بالخبرين المتعارضين ، ولا دليل عليه في سائر الدليلين المتعارضين ، والمقام من هذا القبيل فاطلاقات أدلة التقليد غير شاملة لفتوى الأعلم وغيره مع المعارضة ، بل لا بدّ من الحكم بتساقطهما كما في غير المقام ، هذا.
__________________
(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٦٦.