وقد يقال كما تعرّضنا له في محلّه (١) أن القاعدة تقتضي التخيير بين المتعارضين وذلك لأن الأمر يدور بين رفع اليد عن أصل الدليلين وبين رفع اليد عن إطلاقيهما مع التحفظ على أصلهما ومتى دار الأمر بينهما يتعين الثاني لا محالة ، لأنه لا موجب لرفع اليد عن الدليلين بالكلية. فإذا ورد خبران دلّ أحدهما على وجوب القصر في مورد مثلاً ودلّ الآخر على وجوب التمام فيه ، لم يمكننا العمل بهما معاً للعلم الخارجي بعدم وجوب صلاة واحدة في يوم واحد مرتين ، فيدور الأمر لا محالة بين رفع اليد عن أصل الدليلين والحكم بتساقطهما وبين التحفظ على أصليهما ورفع اليد عن إطلاقيهما المقتضي للتعيين وقد مرّ أن الثاني هو المتعين حينئذٍ فإن الأوّل بلا موجب ، ونتيجة الأخذ بالوجوب في كليهما ورفع اليد عن إطلاقه هو الحكم بوجوب كل منهما مخيراً. بل الأمر كذلك حتى في الدليل الواحد بالإضافة إلى أفراد موضوعه ، كما إذا ورد أكرم العلماء وعلمنا خارجاً أن زيداً وصديقه مثلاً لا يشملهما حكم واحد أبداً ، فدار الأمر بين الحكم بعدم وجوب إكرامهما للتساقط وبين التحفظ على الوجوب في كليهما ورفع اليد عن إطلاقهما في التعيين ، فإنه يتعيّن حينئذٍ الأخير وهو يقتضي الحكم بوجوب كل منهما تخييراً. ومعه لا مقتضي في المقام لرفع اليد عن حجية فتوى الأعلم وغيره أعني الحكم بتساقطهما ، بل لا بدّ من الأخذ بالحجية في كلتا الفتويين ورفع اليد عن إطلاقهما المقتضي للتعيين ، وهذا ينتج حجية كل منهما على وجه التخيير.
ويرده : أن موارد التعارض بين الدليلين الّتي منها المقام لا يمكن قياسها بما إذا كان لكل من الدليلين نصاً وظاهراً وأمكن الجمع بينهما بحمل الظاهر من كل منهما على نص الآخر فإن القياس مع الفارق ، إذ في تلك الموارد لا مقتضي لرفع اليد عن كلا الوجوبين ، بل يؤخذ بنص كل من الدليلين في الوجوب ويطرح ظاهرهما في التعيين وتكون النتيجة هو الوجوب التخييري كما مرّ. وأما في أمثال المقام الّتي ليس للدليلين فيها نص وظاهر بل دلالتهما بالظهور والإطلاق ، فلا مناص من الحكم بتساقطهما فإن الحجية في المتعارضين إذا كانت بالإطلاق أعني إطلاق أدلة الحجية لشمولها لهذا وذاك وهذه الفتيا وتلك ، فحيث إن لكل منهما إطلاقاً من جهة أُخرى أيضاً وهي حجية كل
__________________
(١) نفس المصدر.