العقاب وهذا هو الّذي يقال : الشك في الحجية يساوق القطع بعدمها. وحيث إنّا بيّنا في أوائل الكتاب (١) أن الأحكام الواقعية متنجّزة على كل مكلف بالعلم الإجمالي الكبير للعلم بأن في الشريعة أحكاماً إلزامية وجوبية أو تحريمية ، فتكون حجية الحجج الّتي منها فتوى الفقيه معذّرة فحسب ، وقد عرفت أن دوران الأمر بين الحجة التعيينية والتخييرية بهذا المعنى مورد لقاعدة الاشتغال والأصل فيه يقتضي التعيين.
ومن هنا يتّضح أن وجوب تقليد الأعلم على هذا التقدير إنما هو من باب الاحتياط ، لا أنه مستند إلى الأدلّة الاجتهادية فإن مفروضنا أن الأدلة لم يستفد منها وجوب تقليد الأعلم وعدمه وانتهت النوبة إلى الشك ، وإنما أخذنا بفتوى الأعلم لأن العمل على طبقها معذّر على كل حال فهو أخذ احتياطي تحصيلاً للقطع بالفراغ لا أن فتواه حجة واقعية ، هذا.
وربما يقال : الاستصحاب قد يقتضي جواز الرجوع إلى فتوى غير الأعلم فيكون الاستصحاب هو المعذّر على تقدير المخالفة ، وذلك كما في المجتهدين المتساويين في الفضيلة فإن المكلف مخيّر بينهما ، فلو قلّد أحدهما تخييراً ثمّ تجدّدت الأعلمية للآخر فإنه إذا شكّ في جواز تقليد غير الأعلم فمقتضى الاستصحاب هو الجواز وبقاء فتوى غير الأعلم على حجيتها ، وبذلك نلتزم بجواز تقليده مطلقاً لأنه لو ثبت جواز تقليد غير الأعلم وحجية فتواه في موردٍ ثبتت في بقية الموارد لعدم القول بالفصل ، إذ لا يحتمل أن تكون فتوى غير الأعلم حجة في بعض الموارد وغير حجة في بعضها حيث إنها لو كانت قابلة للحجية فهي كذلك في جميع الموارد ، ولو لم تكن كذلك فليست بحجة في الجميع.
والجواب عن ذلك بوجوه :
أما أوّلاً : فلأن استصحاب الحجية لفتوى غير الأعلم أو جواز تقليده من الاستصحابات الجارية في الأحكام ، وقد بيّنا غير مرة أن الشبهات الحكمية والأحكام الكلّية الإلهية ليست مورداً للاستصحاب.
__________________
(١) راجع ص ٦.