ابن مكرم الجمال قال : قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام « إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم ... » (١) لدلالتها على اعتبار الرجولية في باب القضاء ، ومن المعلوم أن منصب الإفتاء لو لم يكن بأرقى من القضاء ، فلا أقل من أنهما متساويان ، إذ القضاء أيضاً حكم وإن كان شخصياً وبين اثنين أو جماعة رفعاً للتخاصم ، والفتوى حكم كلّي يبتلي به عامة المسلمين فإذا كانت الرجولية معتبرة في باب القضاء كانت معتبرة في باب الإفتاء بالأولوية.
ويرد على هذا الوجه : أن أخذ عنوان الرجل في موضوع الحكم بالرجوع إنما هو من جهة التقابل بأهل الجور وحكامهم حيث منع عليهالسلام عن التحاكم إليهم والغالب المتعارف في القضاء هو الرجولية ، ولا نستعهد قضاؤه النساء ولو في مورد واحد ، فأخذ عنوان الرجولية من باب الغلبة لا من جهة التعبد وحصر القضاوة بالرجال ، فلا دلالة للحسنة على أن الرجولية معتبرة في باب القضاء فضلاً عن الدلالة عليها في الإفتاء ، لو سلمنا أن القضاء والفتوى من باب واحد. على أنه لم يقم أي دليل على التلازم بينهما ليعتبر في كل منها ما اعتبر في الآخر بوجه.
وأيضاً استدلوا عليه بمقبولة عمر بن حنظلة المتقدمة (٢) حيث ورد فيها : « ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا ».
وقد ظهر الجواب عنها بما بيّناه في الحسنة المتقدمة ، مضافاً إلى أنها ضعيفة السند كما مرّ ، على أن قوله عليهالسلام « من كان » مطلق ولا اختصاص له بالرجال. إذن لم يقم دليل على أن الرجولية معتبرة في المقلّد ، بل مقتضى الإطلاقات والسيرة العقلائية عدم الفرق بين الإناث والرجال ، هذا.
والصحيح أن المقلّد يعتبر فيه الرجولية ، ولا يسوغ تقليد المرأة بوجه ، وذلك لأنّا قد استفدنا من مذاق الشارع أن الوظيفة المرغوبة من النساء إنما هي التحجب والتستر ، وتصدي الأمور البيتية ، دون التدخل فيما ينافي تلك الأُمور ، ومن الظاهر أن التصدي للإفتاء بحسب العادة جعل للنفس في معرض الرجوع والسؤال لأنهما
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣ / أبواب صفات القاضي ب ١ ح ٥.
(٢) في ص ١٤١.