المطلق. إلاّ أنّا قد أسبقنا في محلّه (١) أن الآية المباركة لا دلالة لها على وجوب التقليد وأن السؤال مقدمة للعمل بقول أهل الذكر تعبداً ، وبيّنا أن ظاهرها أن السؤال مقدمة لحصول العلم ومعنى الآية : فاسألوا لكي تعلموا. فإن سياقها يقتضي أن يكون المراد من أهل الذكر علماء اليهود ، وأن الله سبحانه قد أمر الجهلاء بالسؤال عنهم لكونهم عالمين بكتبهم. ومن هنا ورد في آية أُخرى ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ ) (٢) أي إذا لم يكن لكم علم بالبراهين والكتب فاسألوا علماء اليهود. ولا يحتمل أن يكون السؤال عنهم لأجل التعبد بقولهم ، إذ لا حجية لأقوالهم فيتعين أن يكون من باب المقدمة لحصول العلم. نعم ، ورد تفسير أهل الذكر بالأئمة عليهمالسلام إلاّ أنه كما بيّناه سابقاً لا ينافي تفسيره بعلماء اليهود ، لأنهم عليهمالسلام أيضاً من مصاديق أهل الذكر فراجع ، هذا.
على أن الآية المباركة إنما وردت إلزاماً لأهل الكتاب بالرجوع إلى علمائهم فيما يرجع إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن البيّن أنه لا معنى للتعبد في أمر النبوة وغيرها مما يرجع إلى الأُصول ، فإن المطلوب فيها هو الإذعان والاعتقاد ولا يكفي فيها التعبّد بوجه.
وأما آية النفر فدلالتها على وجوب التقليد وإن كانت ظاهرة كما مرّ ، إلاّ أنها ليست بظاهرة في الحصر لتدل على أن وجوب الحذر يترتب على إنذار الفقيه ، ولا يترتب على إنذار العالم الّذي لا يصدق عليه الفقيه ومعه لا تكون الآية المباركة صالحة للرادعية.
وأما الروايات فهي أيضاً كذلك ، حتى إذا فرضنا أن الرواة المذكورين فيها من أجلاء الفقهاء وكبرائهم ، إلاّ أنها غير ظاهرة في الانحصار لتدل على عدم جواز الرجوع إلى غيرهم من العلماء.
نعم ، هناك روايتان ظاهرتان في الانحصار.
__________________
(١) راجع ص ٦٨.
(٢) النحل ١٦ : ٤٣ ٤٤.