وفيه : أن هذا الاستصحاب وإن كان جارياً في نفسه لتمامية أركانه ، لما تقدم من أنّا نحتمل أن تكون الشرائط المذكورة مما يكفي حدوثه في اتصاف الفتوى بالحجية بقاءً كما هو الحال في شرطية الحياة ، فلنا في المقام يقين بالحجية سابقاً ونشك فيها بحسب البقاء فلا مانع من استصحابها بعد زوال الشرائط وارتفاعها وهذا يقتضي عدم اعتبار الشرائط بقاءً. إلاّ أنّا لا نلتزم بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، ومعه لا مناص من الحكم باعتبار الشرائط بحسب الحدوث والبقاء وذلك للشك في حجية الفتوى بعد زوال الشرائط ، والشك في الحجية يساوق القطع بعدمها ، إذ مع الشك فيها يقطع بعدم كون الفتوى معذّرة ولا منجّزة لتقوم الحجية بالوصول ، ومع عدم وصولها نقطع بعدمها.
أما الجهة الثانية : فالإنصاف أن الأدلة الاجتهادية المستدل بها على حجية فتوى الفقيه غير قاصرة الشمول لصورة زوال الشرائط وارتفاعها ، وذلك لإطلاقها كما تقدم في شرطية الحياة. فإن مقتضى إطلاق قوله عزّ من قائل ( فَلَوْ لا نَفَرَ ... ) أن إنذار الفقيه بعد استجماعه الشرائط يتصف بالحجية سواء أكان باقياً على تلك الشرائط بعد الإنذار أم لم يكن ، وكذا غيره من الأدلة اللفظية فلاحظ.
وأما السيرة العقلائية فهي أيضاً كذلك ، لأنها جرت على رجوع الجاهل إلى العالم سواء في ذلك أن يكون العالم باقياً على علمه وخبرويته بعد الرجوع أم لم يكن ، مثلاً إذا راجعوا الطبيب وأخذوا منه العلاج والدواء وقد جن بعد ذلك لم يترددوا في جواز العمل على طبق معالجته ، ومعه لا بدّ من الحكم بأن الشرائط إنما تعتبر حدوثاً ولا تعتبر بحسب البقاء.
نعم ، ادعى شيخنا الأنصاري قدسسره الإجماع على أن الشرائط المذكورة كما أنها معتبرة بحسب الحدوث كذلك تعتبر في حجية الفتوى بقاءً (١).
وفيه : أنه إجماع منقول لا ينبغي الاعتماد عليه ، ولا سيما مع ذهاب جمع إلى عدم اعتبارها بحسب البقاء ، لوضوح أن مع مخالفة الجماعة لا يبقى أيّ مجال لدعوى
__________________
(١) رسالة في الاجتهاد والتقليد : ٦٨.