يرتكب الكذب على تقدير تحدّثهم وهكذا ، فالمعاملة والتحدّث والمواعدة كالمقدّمة والتوطئة لترك الظلم والكذب وخلف الوعد ، لا أنها أُمور مطلوبة في نفسها ومعتبرة في تحقق العدالة ، إذ من البيّن عدم توقفها على شيء من الأفعال المذكورة ، ولم يقل أحد أن العدالة لا تتحقق إلاّ بالتحديث للناس أو مواعدتهم ومعاملتهم بحيث لو لم تصدر منه لم يحكم بعدالته ، فلا دلالة للموثقة على أن المعاشرة معتبرة في العدالة ، وإنما تدلنا على أن من صدر منه تلك الأفعال ولم يرتكب الظلم والكذب وخلف الوعد فهو محكوم بالعدالة ومعه لا تنافي بين الموثقة والروايات المتقدمة الدالة على أن حسن الظاهر يكشف عن العدالة ، وإن لم تكن هناك أية معاشرة في البين ، كما إذا كان منزوياً لا يشاهد إلاّ في أوقات الصلاة.
وثانياً : أن الموثقة لا دلالة لها بوجه على حصر العدالة في من عامل الناس ولم يظلمهم ... فإنها إنما تدل على أن من لم يظلم الناس إذا عاملهم ... فهو ممن كملت عدالته وتمت مروّته ، ولا تنفي العدالة عن غيره إذا وجد سبب من أسبابها ، كما إذا تعاهد حضور الجماعة وستر عيوبه ، فإن مقتضى رواية ابن أبي يعفور المتقدمة أنهما كاشفان عن العدالة كما مرّ ، فلا تنافي بين الموثقة والأخبار المتقدمة ورواية ابن أبي يعفور. فمقتضى الجمع بين الأخبار الثلاث على تقدير صحة الأخيرة أن يقال : العدالة إنما تستكشف بأحد أمرين : إما حضور الجماعة وتعاهد الصلوات في أوقاتها وستر العيوب ، وإما عدم الظلم والكذب وخلف الوعد عند الابتلاء بالمعاشرة بالمعاملة والتحدّث والمواعدة. إذن لم يدلنا دليل على أن المعاشرة معتبرة في استكشاف العدالة بحسن الظاهر ، هذا كلّه في الموضع الأول.
أما الموضع الثاني : فالصحيح أن كاشفية حسن الظاهر عن العدالة لا يعتبر فيها إفادته العلم أو الظن بالملكة ولو بمعنى الخوف النفساني من الله ، بحيث لو ظننا أن حسن الظاهر في مورد مستند إلى الرياء أو غيره من الدواعي غير القربية أيضاً قلنا باعتباره وكشفه عن العدالة ، وذلك لعدم الدليل على أن كاشفية حسن الظاهر مقيّدة بما إذا أفادت العلم أو الظن بالملكة فهو تقييد للروايات المتقدمة من غير مقيد.
وما استدل به على ذلك روايتان :