إليه » (١) وصحيحته الأُخرى قال : « بعثني أبو عبد الله عليهالسلام إلى أصحابنا فقال : قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق ، اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضياً ... (٢) إلى غير ذلك من الروايات. بل لو لا مشروعية القضاء في الخصومات للزم اختلال النظام والهرج والمرج.
فمشروعية القضاء في الشريعة المقدسة من المسلّمات والقضاء بمعنى فصل الخصومة وحلّها. وقد قيل : إنما سمي ذلك بالقضاء ، لأن القاضي يقضي على الخصومة بفصلها ، فلا يجوز وصلها بعد فصلها فإن جوازه يستلزم لغوية القضاء. وحيث إن المستفاد من الروايات أن حكم الحاكم إذا صدر عن الميزان الصحيح معتبر مطلقاً ، وأن اعتباره ليس من جهة الأمارية إلى الواقع بل إنما هو لأجل أن له الموضوعية التامة في فصل الخصومات وحل المرافعات ، فلا مناص من الالتزام بعدم جواز نقضه مطلقاً سواء علمنا بعدم مطابقته للواقع أو بالخطإ في طريقه وجداناً أو تعبداً أم لم نعلم به بلا فرق في ذلك بين الشبهات الحكمية والموضوعية فلا يجوز للمتخاصمين إعادة الدعوى عند ذلك الحاكم مرة ثانية أو عند حاكم آخر رضيا بها أم لم يرضيا ، كما لا يجوز للحاكم سماعها.
ويدلنا على ذلك مضافاً إلى ما قدّمناه من الإطلاق وأن اعتبار الحكم من باب الموضوعية ، أن حكم الحاكم لو جاز نقضه عند العلم بمخالفته للواقع أو الخطأ في طريقه للزم عدم نفوذه غالباً في الترافع في الشبهات الموضوعية وبقاء التخاصم فيها إلى الأبد ، لعلم كل من المترافعين غالباً بعدم صدق الآخر أو عدم مطابقة بينته للواقع مع أنه لا مجال للتأمل في شمول الإطلاقات للشبهات الموضوعية ، ونفوذ حكم الحاكم فيها جزماً ، ومنه يظهر أن الإطلاقات شاملة للشبهات الحكمية أيضاً كذلك وأن حكم الحاكم نافذ فيها ولو مع العلم بالمخالفة للواقع أو الخطأ في طريقه ، هذا كلّه إذا صدر الحكم على الميزان الصحيح.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣ / أبواب صفات القاضي ب ١ ح ٥.
(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣٩ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ٦.