تتوقف عليها تلك المسألة الفقهية ، فهو مما لا وقوع له وذلك لأن الاجتهاد في الأحكام الشرعية ليس بأهون من الاجتهاد في المسائل الأُصولية ، فإذا فرضنا أن المجتهد يتمكن من الاستنباط في الفروع وتطبيق الكبريات على صغرياتها ، فلا مناص من أن يكون متمكناً من الاجتهاد في المسائل الأُصولية أيضاً وإن لم يتصد لاستنباطها ، وقد أسلفنا عند التكلّم على الاجتهاد أن واجد الملكة لا يجوز له التقليد بوجه لعدم شمول الأدلة له.
أما آية النفر فلأنها دلت على حجية إنذار المنذر بالإضافة إلى من لا يتمكن من التفقه في الدين دون من هو مثل المنذر في القدرة على التفقه والإنذار.
وأما آية السؤال فلأنها على تقدير دلالتها إنما تدل على حجية جواب العالم لمن ليس له سبيل إلى التعلّم غير السؤال ، ولم تدل على حجيته بالإضافة إلى من يتمكن من التعلّم بالاجتهاد.
وأما الروايات فلأن القدر المتيقن من مداليلها حجية فتوى الفقيه على من لا يتمكن من تحصيل العلم بالواقع ، وكذلك السيرة لعدم جريانها في من يتمكن من تحصيل العلم بنفسه ، فإن الطبيب المتمكن من الطبابة والعلاج لنفسه أو لأولاده مثلاً لا نستعهد رجوعه أو إرجاعه المريض إلى طبيب آخر ، فصاحب الملكة لا مسوّغ لتقليده. وقد مرّ (١) أن شيخنا الأنصاري قدسسره ادعى الإجماع على عدم جواز التقليد له ، فلا مناص من أن يجتهد أو يحتاط.
والمتحصل : عدم جواز التقليد في المسائل الأُصولية مطلقاً أما مع التمكن من الاجتهاد في الأحكام الفرعية فلأجل عدم انفكاكه عن التمكن من الاجتهاد في المسائل الأُصولية ، وقد عرفت أن واجد الملكة ليس له التقليد فيما يتمكن من الاجتهاد فيه ، وأما مع العجز عن الاجتهاد في الأحكام الفرعية فلأنه لا يترتب أي فائدة على التقليد في المسائل الأُصولية حينئذٍ.
__________________
(١) راجع ص ١٧.