العلم بها من دون واسطة بوجه فلا يصدق على من علم بقضاياهم بتوسط العلم بفتوى مجتهده ، كيف فإن العامّي قد يكون أكثر استحضاراً للفتوى من نفس المجتهد ومع ذلك لا يطلق عليه الفقيه والعالم بأحكامهم عليهمالسلام وقضاياهم لدى العرف.
وثانياً : هب أن الرواية مطلقة وأنها تشمل العلم بها ولو مع الواسطة ، فإنه لا مانع من أن نقيد إطلاقها بالعلم الخارجي ، لأن منصب القضاء لا يرضى الشارع بتصدي العامي له يقيناً. فدعوى أن الرواية لا إطلاق لها مما لا وجه له.
وقد يقال : إن الرواية وإن كانت مطلقة في نفسها كما ذكر إلاّ أنها تقيد بما دلّ على اعتبار أن يكون القاضي أعلم ، وما يمكن أن يستدل به على التقييد روايات :
منها : مقبولة عمر بن حنظلة ، حيث ورد فيها : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما ... » (١) لتصريحها بأن المعتبر هو ما حكم به أفقههما وبها نقيد إطلاق الرواية المتقدمة. ويرد عليه :
أولاً : أن المقبولة ضعيفة السند ، لعدم ثبوت وثاقة عمر بن حنظلة على ما مرّ غير مرة.
وثانياً : أنها إنما وردت في الشبهات الحكمية ، لأن كلا منهما قد اعتمد في حكمه على رواية من رواياتهم كما هو المصرح به في متنها وكلامنا إنما هو في الشبهات الموضوعية دون الحكمية ، فالرواية على تقدير تماميتها في نفسها أجنبية عن محل الكلام.
وثالثاً : أن الرواية إنما دلت على الترجيح بالأفقهية فيما إذا ترافع المترافعان إلى حاكمين متعارضين في حكمهما ، وهب أنّا التزمنا حينئذٍ بالترجيح بالأعلمية ، وأين هذا من محل الكلام وهو أن الرجوع ابتداءً هل يجوز إلى غير الأعلم أو لا يجوز ، من دون فرض تعارض في البين ولا الرجوع بعد الرجوع ، فالمقبولة غير صالحة للتقييد.
ومنها : معتبرة داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليهالسلام « في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف فرضيا بالعدلين فاختلف
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٦ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١.