لما أفاده من أن الامتثال الإجمالي والاحتياط إنما هو في طول الامتثال التفصيلي لاعتبار أن يكون التحرك والانبعاث في الواجبات العبادية مستنداً إلى تحريك المولى وبعثه ، ولا يتحقق هذا مع الاحتياط لأن الداعي للمكلف نحو العمل والإتيان به حينئذ ليس إلاّ احتمال تعلق الأمر به ، فالانبعاث مستند إلى احتمال البعث لا إلى البعث نفسه ، فمع التمكن من الامتثال التفصيلي والعلم بالواجب لا تصل النوبة إلى الاحتياط.
ثمّ لو شككنا في ذلك ولم ندر أن الامتثال الإجمالي والاحتياط في عرض الامتثال التفضيلي أو في طوله ، بمعنى أن الانبعاث يعتبر أن يكون مستنداً إلى الأمر جزماً أو أن الانبعاث إذا استند إلى احتمال الأمر أيضاً يكفي في الامتثال ، فلا مناص من أن يرجع إلى قاعدة الاشتغال لأنه من الشك في كيفية الإطاعة والامتثال ، وأنه لا بدّ أن يكون تفصيلياً أو يكفي فيه الاحتياط ، فإن العمل عبادي على تقدير وجوبه فإذا شكّ في كيفية طاعته لا بدّ من الاحتياط. وقصد القربة والتعبد وإن كان مأخوذاً في المتعلق شرعاً عنده وعندنا ، والشك في اعتباره من الشك في الأقل والأكثر إلاّ أن اعتبار قصد القربة إذا كان معلوماً في مورد ، وشك في كيفية طاعته فهو يرجع إلى الشك في التعيين والتخيير وهو مورد لقاعدة الاشتغال. وبذلك منع جواز الاحتياط فيما إذا استلزم التكرار ، وزاد أن العلم بالتكليف موجود في مورده فلا بدّ من الخروج عن عهدته بما يراه العقل طاعة.
والجواب عنه : أنّا لا نشك في أن الامتثال الإجمالي في طول الامتثال التفصيلي أو في عرضه بل نجزم بأنهما في عرض واحد ، وسرّه أن الفارق بين العبادة وغيرها أن العمل العبادي لا بدّ أن يؤتى به مضافاً إلى المولى سبحانه ، بخلاف التوصلي لأن الغرض منه إنما هو ذات العمل من غير لزوم الإضافة إلى الله. والإضافة إلى الله سبحانه قد تتحقق بالإتيان بالمأمور به على وجه التفصيل ، وقد تتحقق بالإتيان به على وجه الإجمال لأنه أيضاً نحو إضافة إلى الله ، ومن هنا لا يشترط العقلاء في العمل بالاحتياط أن لا يتمكن المكلف من العلم بالواجب والإتيان به على وجه التفصيل وذلك لأنهم ببابك فلو سألتهم عن أن العبد إذا أتى بالعمل رجاءً لاحتماله أنه مطلوب لسيده فهل يعدّ ممتثلاً أو أنه لم يمتثل لفرض كونه متمكناً من الإتيان به على وجه