الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا » (١) وذلك لأن الحوادث الواقعة قد لا تكون منصوصة فلا يمكن أن يجاب فيها إلاّ بالاجتهاد وإعمال النظر. وأما التعبير فيها برواة الحديث دون العلماء أو الفقهاء ، فلعل السرّ فيه أن علماء الشيعة ليس لهم رأي من عند أنفسهم في قبال الأئمة عليهمالسلام فإنهم لا يستندون إلى القياس والاستحسان والاستقراء الناقص وغير ذلك مما يعتمد عليه المخالفون ، وإنما يفتون بالروايات المأثورة عنهم عليهمالسلام فهم في الحقيقة ليسوا إلاّ رواة حديثهم.
الثانية : الأخبار المشتملة على الأمر الصريح بافتاء بعض أصحابهم عليهمالسلام كقوله لأبان بن تغلب : « اجلس في ( مسجد ) مجلس المدينة وأفت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك » (٢) وقوله لمعاذ بن مسلم النحوي : « بلغني أنك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟ قلت : نعم وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج ، إني أقعد في المسجد فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون ، ويجيء الرجل أعرفه بمودّتكم وحبكم فأُخبره بما جاء عنكم ، ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول جاء عن فلان كذا ، وجاء عن فلان كذا فادخل قولكم فيما بين ذلك فقال لي : اصنع كذا فإني كذا أصنع » (٣).
وهذه الطائفة لا إشكال في دلالتها على جواز الإفتاء في الأحكام ، كما أنها تدلنا على جواز التقليد والرجوع إلى مثل أبان أو معاذ ، إذ لو لم يجز تقليده بأن لم يكن فتواه حجة على السائل لم يكن فائدة في أمرهم عليهمالسلام بإفتائه لأنه حينئذ لغو ومما لا أثر له.
الثالثة : الأخبار الناهية عن الإفتاء بغير علم وعن القضاء بالرأي والاستحسان والمقاييس ، وهي كثيرة عنون لها باباً في الوسائل وأسماه باب عدم جواز القضاء والحكم بالرأي والاجتهاد والمقاييس ونحوها من الاستنباطات الظنية في نفس
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٠ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ٩.
(٢) المروية في رجال النجاشي ص ٧ ٨.
(٣) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٨ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ٣٦.