______________________________________________________
على أحد الوجوه المقررة التي سيأتي ذكرها في باب رواية الكتب ، والحق أن للحفظ مراتب يختلف الثواب بحسبها ، فأحدها : حفظ لفظها ، سواء كان في الخواطر أو في الدفاتر ، وتصحيحه واستجازتها وإجازتها وروايتها ، وثانيها : حفظ معانيها والتفكر في دقائقها واستنباط الحكم والمعارف منها ، وثالثها : حفظها بالعمل بها والاعتناء بشأنها والاتعاظ بمودعها ، ويومئ إليه بعض الأخبار ، وفي بعض الروايات هكذا : من حفظ على أمتي أربعين حديثا ، فالظاهر أن على بمعنى اللام أي حفظ لأجلهم كما قالوه في قوله تعالى ( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) (١) أي لأجل هدايته إياكم ، ويحتمل أن يكون بمعنى « من » كما قيل في قوله تعالى ( إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ) (٢) ويؤيده روايات ، ويحتمل تضمين معنى الاشتقاق أو العطف أو التحنن أو أضرابها.
والحديث في اللغة يرادف الكلام ، سمي به لأنه يحدث شيئا فشيئا ، وفي اصطلاح عامة المحدثين كلام خاص منقول عن النبي أو الإمام أو الصحابي أو التابعي أو من من يحذو حذوه ، يحكى قولهم أو فعلهم أو تقريرهم ، وعند أكثر محدثي الإمامية لا يطلق اسم الحديث إلا على ما كان عن المعصوم عليهالسلام ، وظاهر أكثر الأخبار تخصيص الأربعين بما يتعلق بأمور الدين من أصول العقائد والعبادات القلبية والبدنية ، لا ما يعمها وسائر المسائل من المعاملات والأحكام ، بل يظهر من بعضها كون تلك الأربعين جامعة لأمهات العقائد والعبادات والخصال الكريمة ، والأفعال الحسنة ، وعلى التقادير فالمراد ببعثه فقيها عالما أن يوفقه الله لأن يصير من الفقهاء العالمين العاملين ، أو المراد بعثه في القيامة في زمرتهم لتشبهه بهم ، وإن لم يكن منهم ، وعلى بعض المحتملات الأول أظهر ، وعلى بعضها الثاني كما لا يخفى.
ثم اعلم أن الفقيه يطلق غالبا في الأخبار على العالم العامل الخبير بعيوب النفس وآفاتها ، التارك للدنيا ، الزاهد فيها ، الراغب إلى ما عنده تعالى من نعيمه وقربه ووصاله واستدل بعض الأفاضل بهذا الخبر على حجية خبر الواحد وتوجيهه ظاهر.
__________________
(١) سورة البقرة : ١٨٥.
(٢) سورة المطففين : ٢.