وفي جواز ذلك بطلان الكتب والرسل والآداب ، وفي الكتب والرسل والآداب فساد التدبير ، والرجوع إلى قول أهل الدهر ، فوجب في عدل الله عز وجل وحكمته أن يخص من خلق من خلقه خلقة محتملة للأمر والنهي ، بالأمر والنهي ، لئلا يكونوا سدى مهملين ، وليعظموه ويوحدوه ، ويقروا له بالربوبية ، وليعلموا أنه خالقهم ورازقهم ، إذ شواهد ربوبيته دالة ظاهرة ، وحججه نيرة واضحة ، وأعلامه لائحة تدعوهم إلى توحيد الله عز وجل ، وتشهد على أنفسها لصانعها بالربوبية والإلهية ، لما فيها من آثار صنعه ، وعجائب تدبيره ، فندبهم إلى معرفته لئلا يبيح لهم أن يجهلوه ويجهلوا دينه وأحكامه ، لأن الحكيم لا يبيح الجهل به ، والانكار لدينه ، فقال جل ثناؤه : « ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق » (١) وقال : « بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه » (٢) فكانوا محصورين بالأمر والنهي
________________________________________________________
العلم مطلقا لا يتأتي التكليف أصلا ، وعلى الأول بطلان الكتب والرسل لأن الغرض الأصلي من البعثة تكميل النفوس القابلة.
قوله : ان يخص ، بالخاء المعجمة والصاد المهملة ، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة والضاد المعجمة ، بمعنى التحريص والترغيب ، والأول أظهر ، وقوله : بالأمر والنهي ، متعلق بيخص ، والسدي بضم السين وقد يفتح وكلاهما للواحد والجمع بمعنى المهمل وقوله : مهملين عطف بيان أو صفة موضحة.
قوله تعالى : « ميثاق الكتاب » أي ميثاق المأخوذ في الكتاب ، وهو التوراة وقوله : « أن لا يقولوا » عطف بيان للميثاق أو متعلق به ، أي بأن لا يقولوا ، وقيل : المراد بالميثاق قوله في التوراة : من ارتكب ذنبا عظيما فإنه لا يغفر [ له ] إلا بالتوبة وحينئذ قوله : أن لا يقولوا مفعول له أي لئلا يقولوا.
قوله تعالى : « بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه » أقول : تتمة الآية « ولما
___________________
(١) سورة الأعراف : ١٦٩.
(٢) سورة يونس : ٣٩.