مأمورين بقول الحق ، غير مرخص لهم في المقام على الجهل ، أمرهم بالسؤال ، والتفقه في الدين فقال : « فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم » (١) وقال : « فاسألوا الذكر إن كنتم لا تعلمون » (٢). فلو كان يسع أهل الصحة والسلامة ، المقام على الجهل ، لما أمر هم بالسؤال ، ولم يكن يحتاج إلى بعثة الرسل بالكتب والآداب ، وكادوا يكونون عند ذلك بمنزلة البهائم ، ومنزلة أهل الضرر والزمانة ، ولو كانوا كذلك لما بقوا طرفة عين فلما لم يجز بقاؤهم إلا بالأدب والتعليم ، وجب أنه لابد لكل صحيح الخلقة ، كامل الآلة من مؤدب ، ودليل ، ومشير ، وآمر ، وناه ، وأدب ، وتعليم ، وسؤال ، ومسألة.
فأحق ما اقتبسه العاقل ، والتمسه المتدبر الفطن ، وسعى له الموفق المصيب ، العلم بالدين ، ومعرفة ما استعبد الله به خلقه من توحيده ، وشرائعه وأحكامه ، وأمره ونهيه وزواجره وآدابه ، إذ كانت الحجة ثابتة ، والتكليف لازما ، والعمر يسيرا ، والتسويف غير مقبول ، والشرط من الله جل ذكره فيما استعبد به خلقه أن يؤدوا
________________________________________________________
يأتهم تأويله » والمعنى كما قيل : بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن أول ما سمعوه قبل أن يفقهوا ويتدبروا آياته ، ويقفوا على تأويله ومعانيه.
قوله : أمرهم بالسؤال ، لما كان بمنزلة التعليل للسابق ترك العاطف.
قوله تعالى « ليتفقهوا » ، الظاهر ان ضمير الجمع فيه وفي « ولينذروا » وفي « رجعوا » راجع إلى الطائفة ، فالمراد بالنفور الخروج للتفقه لينذر ويعلم الباقون الساكنون ، النافرين بعد رجوع النافرين إليهم فالضمير في « يتفقهوا » و « ينذروا » راجع إلى الفرقة أي بقيتهم ، وفي « رجعوا » إلى القوم.
قوله : من توحيده ، بيان للدين ، وما بعده بيان لما استعبد الله به خلقه.
___________________
(١) سورة التوبة : ١٢٢.
(٢) سورة النحل : ٤٣.