فما الدليل عليه فقال أبو عبد الله عليهالسلام وجود الأفاعيل دلت على أن صانعا صنعها ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده قال فما هو قال شيء بخلاف الأشياء ارجع بقولي
______________________________________________________
قوله : فما الدليل عليه : يعني بما ذكرت قد ثبت وحدة المبدأ الأول للعالم على تقدير وجوده ، فما الدليل على وجوده؟ فأجاب عليهالسلام بأن الأفاعيل وهي جمع أفعولة وهو الفعل العجيب الذي روعي فيه الحكمة ، كخلق الإنسان وعروقه وأحشائه وعضلاته وآلات القبض والبسط ونحو ذلك ، مما لا يتأتى إلا من قادر حكيم ، ونبه عليه بأنك إذا نظرت إلى بناء مشيد ... أي مطول ومستحكم ، ولما كان البناء قد يستعمل لغير المبني كالمعنى المقابل للهدم وغيره أردفه بقوله : مبني ، أو المعنى مبني لإنسان لا الأبنية التي تكون في الجبال ، لا يعلم كونه مبينا لإنسان « علمت أن له بانيا » فإذا كنت تحكم في البناء التي يتأتى من الإنسان بأن له بانيا البتة من نوع الإنسان ، ولا يجوز حصوله بغير بان ، فلم لا تحكم في البناء الذي تعلم أن بانية أرفع وأقدر وأحكم من الإنسان بوجود الباني ، وتجوز وجوده من غير بأن وموجد وخالق ، وقوله : فما هو؟ إما سؤال عن حقيقته بالكنه ، ففي الجواب إشارة إلى أنه لا يمكن معرفته بالكنه وإنما يعرف بوجه يمتاز به عن جميع ما عداه ، أو سؤال عن حقيقته بالوجه الذي يمتاز به عن جميع ما عداه ، وعلى التقديرين فالجواب بيان الوجه الذي به يمتاز عما عداه ، وهو أنه شيء بخلاف الأشياء ، أي لا يمكن تعقل ذاته إلا بهذا الوجه ، وهو أنه موجود بخلاف سائر الموجودات في الذات والصفات ، وفي نحو الاتصاف بها ، وقوله : ارجع على صيغة الأمر أو المتكلم وحده بقولي : وهو أنه شيء بخلاف الأشياء إلى إثبات معنى للذات أو إلى إثبات موجود في الخارج ، ومقصود باللفظ فيه ، وإلى أنه شيء بحقيقة الشيئية أعلم أن الشيء مساو للوجود إذا أخذ الوجود أعم من الذهني والخارجي ، والمخلوط بالوجود من حيث الخلط شيء وشيئيته كونه مهية قابلة له ، وقيل : إن الوجود عين الشيئية فالمراد بقوله بحقيقة الشيئية أي بالشيئية الحقة الثابتة له في حد ذاته لأنه